مائدة لشخصين

جلس وحيداً على مائدة لشخصين. أتى الماتر وسأله: “هل تطلب العشاء الآن؟ لقد مرّت ساعة وأنت تنتظر” ابتسم الرجل برقّة وقال: “لا، شكراً، فسأنتظرها. ولكن هل لي من فنجان شاي؟ “حالاً يا سيدي عاد الماتر مرة ثانية ليملأ فنجان الشاي مرة أخرى، وسأل: “هل من خدمة أخرى يا سيدي؟”

واستمر الماتر واقفاً كمن يحاول أن يقول شيئاً، لقد أثاره حب استطلاعه، فقال بحذر: “لا أقصد التطفل ولكن”
“سيدي لماذا تُكلف نفسك كل هذا العناء؟ إنك تأتي إلى هنا يومياً وتنتظر بدون فائدة”

أجابه بهدوء وبنبرة لا تخلو من الحزن لأنها تحتاجني. سيدي، لا أقصد الإهانة. ولكنها لا تُظهر هذه الحاجة مطلقاً… لقد تغيبت عن موعدها أربع أيام هذا الأسبوع فقط” بدت علامات الألم على وجه الرجل وأجاب: “نعم، أنا أعلم” ومع ذلك تأتي إلى هنا يومياً وتنتظرها؟” “لقد قالت كاترين إنها ستحضر”

الماتر معترضاً: “مع احترامي يا سيدي، ولكنها دائماً تقول ذلك ولا تفي بوعدها، لو كنت مكانك لما صبرت … لماذا تصبر أنت عليها؟”رفع الرجل عينين مملوئتين حناناً وقال بابتسامة عذبة: “لأني أحبها جداً” وهنا صمت الماتر وانسحب وهو يفكر في نفسه، كيف يمكن لأحد أن يحب فتاة تتخلف عن موعد خطيبها أربع مرّات في أسبوع واحد… نظر إليه وهو يضع ملعقة سكر في فنجان الشاي ويقلبه… ربما تتميز هذه الفتاة بفضائل رائعة جداً تجعله يتمسك بها بشدة، أو أنه يحبها فعلاً بما لا يعبر عنه، ولدرجة أنه لا يرى مدى لا مبالاتها به.
كان الرجل يأتي يومياً ينتظرها، ولكنها كثيراً ما تخلفت عن موعدها. كان يتألّم ولكنّه أيضاً كان ينتظرها بشوق كلّ يوم جديد، قائلاً في نفسه… ربما تتذكر الميعاد وتأتي اليوم. في داخله كلام كثير ولكن الأهمّ إنه يريد أن يسمع صوتها، تحكي له عمّا فعلت خلال اليوم، تجاربها، انتصاراتها، نجاحها، فشلها… أحلامها، أحزانها، أفراحها… كما أراد هو أن يعبّرعن مدى محبته لها وشوقه إليها واهتمامه بها واستعداده لمساعدتها في كلّ أمورها. أشارت الساعة إلى العاشرة. لقد جلس ينتظر ما يقرب على الثلاث ساعات. أتى الماتر مرّة أخيرة “هل تريد شيئأً آخر يا سيدي؟
نظر بحزن إلى الكرسي الخالي وقال: “لا، شكراً. سأنصرف الآن. أريد دفع ثمن الشاي” أخرج الرجل محفظة ملآنة بالأوراق المالية، دفع ثمن الشاي ومنح الماتر بقشيشاً سخياً جداً. ولم لا!، فهو ثري وكريم جداً في نفس الوقت. إنه يستطيع أن يلبي كلّ رغبات كاترين، لو طلبت هي فقط … ولكنها لم تحضر ولم تطلب.
قام وسار نحو مكتب الحجز، سألته الفتاة الواقفة: “حجز كالمعتاد يا سيدي” هزّ رأسه في هدوء: “نعم، من فضلك مائدة لشخصين غداً الساعة السابعة” “سيّدي، هل تظن أنّها ستأتي؟” “أتمنى ذلك، يوماً ما سوف تأتي، وسأكون أنا هنا في انتظارها مهما تخلفت هي” خرج وقلبه يصرخ: “لماذا تفعلي بي هذا يا حبيبتي، لماذا لا تأتي، ألا تعلمي مدى اشتياقي إليك؟”هل تعلمون كيف قضت كاترين ليلتها؟ ولماذا تأخرت عن موعد خطيبها؟
لقد كانت في الشوارع مع أصحابها. تأكل سندويتشات الفول والفلافل، وعندما تذكرت موعد خطيبها قالت: “لا بأس فسوف أذهب يوماً آخر… أريد أن أستمتع بوقتي الآن. هو يحبني ولا يستطيع أن يغضب مني طويلاً، ثم إنه ينتظرني كلّ يوم فلن يضرّه تغيبي”  ما رأيكم في هذه الفتاة كاترين؟ هل تستحق حبّ عريسها؟ هل هي جادة في علاقتها به؟  ألا نفعل نحن ذلك مع حبيبنا الرب يسوع المسيح الَّذي يقول لنا “أنا واقف على الباب أقرع، إن فتح لي أحد الباب أدخل إليه وأتعشى معه” كم من مرّة تحججنا بأعذار حتى لا نصلي، ونحن لا ندري إنّ الرّب يسوع ينتظرنا ويشتهي أن يلتقي بنا، ليشبعنا من حبه. فدعونا لا نستهتر بحبّه وطول أناته، ولا نجرحه بعدم مبالاتنا “فأخطبك لنفسي إلى الأبد. وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والراحم. أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب.”

(الأخ إيلي مطر)