الكنيسة المارونية والإعلام

مقدّمة

  1. منذ أواسط القرن العشرين والعالم في عزّ ثورة سلميّة فريدة هي ثورة الإعلام. معها اجتاحت وسائل الاتصال الحديثة صلب حياتنا اليوميّة، فصارت، لدى الكثيرين، أداة المعرفة والترفيه الأولى، والنشاط الثالث بعد العمل والنوم. وبفضل هذه الثورة، أصبح الكوكب الأرضيّ قرية عالميّة وفضاء مفتوحًا، وباتت تقنيّات الإعلام المتطوّرة، من صحافة وإذاعة وتلفزة وإنترنت، شديدة الوقع على سُبل التواصل والمعرفة والتوجيه في ما بين البشر. فالصحف والإذاعات ومحطّات التلفزة والمواقع الإلكترونيّة تتعرّض لكلّ المجالات المعرفيّة والترفيهيّة بطريقة حسيّة وسريعة، فتجذب الأفراد والجماعات، مطوّرة أو مقولبة تفكيرهم وتعبيرهم وسلوكهم، ناهيك عن الإسهام في تكوين الرأيّ العامّ الوطنيّ أو العالميّ، وتحفيزه، ودفعه في إتجاهات مصيريّة. وتحتل هذه الوسائل مكانة مرموقة في عالم اليوم إن على الصعيد السياسيّ، حيث تمارس دورًا إعلاميًّا ورقابيًّا على السلطات العامّة في معظم الدول، أو على الصعد التربويّة والثقافيّة والروحيّة، حيث تُسهِم في تطوير نُظم التدريس وتعميم المعارف، وإتاحة التعارف والتلاقي بين الحضارات المختلفة، ونشر الرسالات الروحيّة وتعميقها.

الفصل الأوّل: الكنيسة ووسائل الإعلام

  1. أدركت الكنيسة الجامعة منذ البداية دور وسائل الإعلام الواسع والمتعدّد الوجوه. وعبّر البيان Inter Mirifica، الصادر عن المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني عام 1963، عن أهميّة ما أسماه “وسائل الإعلام الاجتماعيّ”، أي الصحافة والسينما والراديو والتلفزيون وما شابهها، فأعتبرها من “الاكتشافات… التي استلتها عبقريّة الإنسان… بعضد من الله”[1]، ومن “الوسائل التي تؤدّي للجنس البشريّ خدمات جلّى،… وتُسهم في التّرويح عن النفس وتثقيفها، وفي امتداد ملكوت الله وترسيخه”[2]. وألزم البيان المجمعيّ “السلطات العامّة بواجب الدفاع عن الحريّة الإعلاميّة الحقيقيّة والصحيحة وحمايتها”[3]، وأمر بإعداد كهنة ورهبان وعلمانيّين لاكتساب مهارة حقيقيّة في استعمال هذه الوسائل لغايات رسوليّة[4]، وبنشر المعاهد والمؤسّسات لتنشئة الصحافيّين وصانعيّ الأفلام ومعدّي البرامج الإذاعيّة والتلفزيونيّة تنشئة مناسبة مشبعة بالروح المسيحيّة[5]، وبتأسيس مراكز وطنيّة كاثوليكيّة لوسائل الإعلام الاجتماعيّ[6]. أخيرًا أوصى المجمع جميع أبرشيّات العالم بتكريس يوم سنويّ عالميّ لدعم الإعلام الاجتماعيّ[7].
  2. وعلى الصعيد التنظيميّ، أعلن البابا بيّوس الثاني عشر، قبيل المجمع الفاتيكانيّ الثاني، إنشاء لجنة بابويّة خاصّة بالسينما والراديو والتلفزيون، تم ثبّتها البابا يوحنّا الثالث والعشرون عام 1959 كلجنة دائمة في الكوريا الرومانيّة، وحوّلها البابا بولس السادس عام 1964 إلى لجنة حبريّة للإعلام الاجتماعيّ، مضيفًا إلى دائرة صلاحيّاتها الإعلام المكتوب[8]، وأخيرًا رفعها البابا يوحنّا بولس الثاني إلى مصاف مجلس حبريّ للإعلام الاجتماعيّ عام 1989[9]. ومنذ العام 1967، درج البابوات على إصدار رسائل حبريّة سنويّة في مناسبة اليوم العالمي للإعلام الاجتماعيّ، الذي ينظّم عادة يوم الأحد السابق لعيد العنصرة في معظم أنحاء العالم. والجدير بالذكر هو أنّ الكنيسة قد أعلنت القديسة كلارا، عذراء أسيزي، شفيعة لأهل الإعلام التلفزيونيّ[10]، والقديس فرنسيس الساليزيانيّ شفيعًا لأهل الصحافة، والملاك جبرائيل شفيعًا لأهل الإعلام الإذاعيّ.
  3. وأصدرت الكنيسة الجامعة سلسلة من الوثائق التوجيهيّة في كيفيّة التعاطي مع وسائل الإعلام الاجتماعيّ، أوّلها وأهمّها هي وثيقة التعليمات الراعويّة “إتحاد وتقدم”، التي صدرت عام 1971 استجابة لتفويض خاصّ من المجمع الفاتيكانيّ الثاني[11]. ومن أهم ما جاء في هذه الوثيقة أنّ الكنيسة تعدّ وسائل الإعلام الاجتماعيّ “عطايا من الله”[12]. وقد أهابت بكلّ مسيحيّة ومسيحيّ “ألا يحسب نفسه وفيًّا لوصيّة المسيح إن هو أهمل الاستعانة بهذه الوسائل لإيصال العقيدة والتعاليم الإنجيليّة إلى أكبر عدد ممكن من الناس”[13]، مشدّدة على أنّ “جودة البرامج الدينيّة وإتقانها يجب أن يعادلا مثيليهما في البرامج الزمنيّة”[14]. وأصدر المجلس الحبريّ للإعلام الاجتماعيّ وثائق عديدة في أخلاقيّات وسائل الإعلام، وآداب الإعلان، وأخلاقيّات الإنترنت، وقواعد التعاون المسكونيّ والتعاون بين الأديان على الصعيد الإعلاميّ، وكلّها تؤلف مرجعًا ثمينًا للإعلاميين في مناقبيّة مهنتهم وفي كيفيّة تجسيد قيمهم المسيحيّة، من خلالها، في أوساطهم[15].
  4. وتوقّف البابا يوحنّا بولس الثاني، مليًا، عند المعنى الثقافيّ العميق لوسائل الإعلام الاجتماعيّ. فدنيا الإعلام هي، في رؤيته، “الإرييوباغوس الأوّل في الأزمنة الحديثة”، وهي قادرة على “توحيد البشرية من خلال جعلها قرية عالميّة”. إنّ عالم اليوم، يقول قداسته، بات يعيش عصر “الإعلام المعولم”، الذي يؤثّر إلى حدٍّ بعيد “في تكوين الشخصية والضمير، وفي تفسير العلاقات العاطفيّة وتركيبها، وفي تفاعل الأطوار التربويّة والتنشيئيّة، وفي تكوين الثقافات وترويجها، وفي نموّ الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة”. لذا يغدو في “قدرة الإعلام، ومن واجبه، تعزيز العدالة والتضامن، فينبئ بالأحداث على نحو دقيق وموافق للحقيقة، محلّلاً الحالات والقضايا بعناية، ومفسحًا في المجال أمام الآراء المتنوّعة”. ويختم قداسته قائلاً إنّ “مناقبيّة أصيلة في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعيّ الحديثة والشديدة النفوذ يجب أن تندرج في أفق المعايير العليا للحقيقة والعدالة، وذلك في ممارسة رشيدة للحريّة والمسؤوليّة”[16].
  5. وكان قداسته قد ذكّر كنيسة لبنان، في إرشاده الرسوليّ “رجاء جديد للبنان”، بأنّ للكنيسة موقعها في وسائل الإعلام “من أجل تعزيز الحقيقة، التي هي الشرط لكلّ كرامة إنسانيّة”، ومن أجل تعزيز “القيم الروحيّة والأخلاقيّة”، مشجعًا المبادرات التي اتخذتها الكنيسة لتنشيط برامج البثّ الدينيّ، والبرامج الإعلاميّة والتربويّة، التي تساعد على “تهذيب الحسّ النقديّ لدى الراشدين والشبان إزاء وفرة المضامين الإعلاميّة التي توهم، أحيانًا، بأنّ جميع أنواع السلوك يمكن أخذها بعين الإعتبار الواحد.” وأوصى قداسته هذه الكنيسة بأن “تسهر على تنشئة أشخاص من ذوي الكفاءة لإدراك الرهانات التي تنطوي عليها وسائل الإعلام”[17].
  6. وعت الكنيسة المارونيّة أهميّة هذا التعليم الكنسيّ الثمين، ووضعته بأمانة موضع التنفيذ حيثما تسنىّ لها ذلك، لاسيّما في لبنان، الذي يكفل دستوره حريّة الرأي والتعبير، وحريّة الفكر والضمير والدين، وحريّة التعليم. ففي هذا البلد الصغير، الذي هو بيت الكرسيّ البطريركيّ المارونيّ منذ مئات السنين، تمكنت الكنيسة من تعزيز رسالتها الإعلاميّة لخير المسيحيّين في الديار العربيّة ولخير العديد من غير المسيحيّين. أمّا في بلاد انتشار، فلقد سعت كنيستنا إلى استخدام وسائلها الإعلاميّة للمحافظة على ارتباط الموارنة بكنيستهم الأم، ولتعزيز اطلاعهم على جذورهم الليتورجيّة والروحانيّة الشرقيّة. وسنحاول ههنا أن نستبصر واقع الإعلام في لبنان وبلاد انتشار، الدينيّ منه والزمنيّ، وحضور الكنيسة المارونيّة فيه ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً.

الفصل الثاني : ماضي الموارنة في الإعلام الدينيّ والزمنيّ

  1. قبل نشوء الدولة اللبنانيّة، وقبل ظهور الإذاعة والتلفزيون والإنترنت، أدّى الموارنة دورًا كبيرًا في عالم الصحافة، التي كانت من أهمّ منائر الثقافة والتوعية السياسيّة في العالم العربيّ. ففي العام 1858 أصدر المارونيّ خليل جبرائيل الخوري “حديقة الأخبار”، أولى الصحف السياسيّة والأدبيّة في سورية ولبنان. وأسّس أبناء الجبل اللبنانيّ، وفي طليعتهم الموارنة، معظم الدوريّات السياسيّة والثقافيّة والعلميّة التي صدرت في مصر، وذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأوّل من القرن العشرين، أيّ بعد نزوح عدد كبير من حملة الفكر من “الشوام” إلى مصر. وقد بلغ عدد هذه الدوريّات 82 ما بين صحيفة ومجلّة[18]، وكانت من بواكيرها مجلّة “وادي النيل” الأسبوعيّة، التي أسّسها حبيب غرزوزيّ عام 1866. وأسس الكونت رُشيد الدحداح أولى الدوريّات العربيّة في باريس عام 1858، وهي مجلّة “برجيس باريس” السياسيّة ونصف الشهريّة. وكانت هذه المجلّة مناوئة للعثمانيين ومناصرة للفرنسيين، واتصفت بالإتقان والمضمون المتنوع. وأصدر ابراهيم ونجيب عربيليّ عام 1892 في نيويورك جريدة “كوكب أميركا”، أولى صحف أميركا الشماليّة[19]، باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، وعملا من خلالها على استنهاض روح التحرّر لدى اللبنانيين والسوريين. كما أسّس وديع شمعون جريدة “السلام” عام 1902، وكانت من أقدم الصحف العربيّة في الأرجنتين وأطولها عمرًا. ووصل عدد الصحف التي أسّسها لبنانيون في أميركا الشماليّة وحدها إلى مئة وصحيفتين، وفي أميركا الجنوبيّة إلى مئة وست وستين صحيفة[20]. وأسّس الآباء اليسوعيّون عام 1870 جريدة “البشير”، وهي أوّل أسبوعيّة كاثوليكيّة عربيّة، وتبعهم خليل البدويّ عام 1880 في أوّل شهريّة كاثوليكيّة هي “الكنيسة الكاثوليكيّة”، قبل أن يطلق جريدة “الأحوال” عام 1891، وهي أوّل جريدة عربيّة تصدر مرتين في اليوم. ومن الصحف الأخرى ذات المنحى المارونيّ جريدة “المارونيّة الفتاة”، وهي دينيّة اجتماعيّة أصدرها يوسف خطّار حاتم عام 1908، وجريدة “الشمس”، وهي سياسيّة أنشأها إسبر الغريب في بوينس أيرس عام 1905 قبل أن يتابع إصدارها من بيروت كمجلّة بعد الحرب العالمية الأولى. أمّا الآباء المرسلون اللبنانيّون الموارنة (الكريميّون)، فقد أسّسوا عام 1930 مجلّة “المنارة”، أولى المجلات المارونيّة المتخصّصة في العلوم الدينيّة، وقد أعلنها المثلث الرحمة البطريرك أنطون عريضة “مجلة بطريركيّة الطائفة المارونيّة”، وذلك في رقيم صدر عنه وتصدّر العدد الأوّل منها. والكريميّون في بوينس أيرس هم أيضًا أوّل من أسّس مجلّة رعويّة مارونيّة في المهاجر عام 1911، وذلك تحت إسم “El Misionero” (المرسل)، بعد أن استقدموا مطبعة بالحرف العربيّ إلى الأرجنتين عام 1910.
  2. هذه الصحافة العربيّة اللسان، التي قامت بشكلٍ أساسيّ على أكتاف الموارنة، أسهمت على نحو حاسم في نشر روح الاستقلال ومناهضة الاحتلال العثمانيّ. وقد دفع الصحافيّون اللبنانيّون، ومن بينهم الشهداء سعيد عقل وفيليب وفريد الخازن، ضريبة الدم في سبيل التحرّر اللبنانيّ من الجور العثمانيّ. وبعد إنشاء دولة لبنان الكبير عام 1920، عاد قسم من الصحف المهجرية إلى الوطن الأم، لكنّ قلّة منها صمدت وتوفرت لها شروط الاستمرار. وبعد إعلان إستقلال لبنان عام 1943، حاولت بعض الصحف القريبة من الكنيسة المارونيّة أن تعزّز انتشارها وقوتها في التأثير والتوجيه، إلاّ أنّها لم تثبت[21]. وفي المقابل، فأن مثيلاتها قامت بدور كبير في إرساء الكيان اللبنانيّ، الناشئ حديثًا، على أسس صلبة أهمّها صون الحريّات العامّة وتعزيز الوئام بين عائلات لبنان الروحيّة. ودفع العديد من روّاد الصحافة في الستينات والسبعينات حياتهم ثمنًا لصون استقلالية الكلمة وقدرتها على مارسة دور رقابيّ فاعل على أداء السلطات العامّة. وهكذا جسّدت الصحافة اللبنانيّة، قبل حرب العام، 1975 فترة ذهبيّة من الحريّات والقيم التي ناضل الموارنة من أجل إرسائها كي يبقى لبنان رئة العالم العربيّ، ونموذجًا للمساواة بين المواطنين في الكرامة والحقوق. واكتملت العمارة الإعلاميّة اللبنانيّة مع تأسيس “إذاعة الشرق” عام 1938، التي حملت إسم “الإذاعة اللبنانيّة” ابتداء من العام 1946، ثم شركة “تلفزيون لبنان” عام 1957.
  3. مع اندلاع الحرب في لبنان عام 1975، عرف المشهد الإعلاميّ في لبنان تحوّلاً جذريًّا تمثّل بفقدان الدولة وكالتها الحصريّة على وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة لصالح بعض قوى الأمر الواقع. وما لبثت هذه الأخيرة، مع قوى أخرى غير شرعيّة، أن أنشأت لنفسها عدّة محطّات تلفزيونيّة خاصّة وعشرات المحطّات الإذاعيّة، فعرف لبنان إنفجارًا إعلاميًّا، بل فوضى إعلاميّة باتت في حاجة ماسّة إلى تنظيم. وكان من نتائج هذا الواقع الجديد، الذي أفرز نحو 52 محطة تلفزة ومئة إذاعة غير مرخّصة، إنحسار دور الصحافة المكتوبة، أكثر الوسائل الإعلاميّة نخبويّة، لصالح الإعلام المرئيّ والمسموع، الأكثر شعبيّة والأسهل منالاً. ثمّ ألقت الأزمة الاقتصادية الخانقة بثقلها على الصحافة، فتراجعت مداخيلها بشكل ملحوظ، لاسيّما مع تراجع حجم الواردات الإعلانيّة، الأمر الذي جعل معظمها رهينة للنفوذين الماليّ والسياسيّ.
  4. في هذه الأثناء، تحرّك بعض من أبناء الكنيسة المارونيّة في لبنان لخلق وسائل إعلاميّة تتصدى لدوّامة العنف وتحمل البشارة إلى جميع الموارنة والمسيحيّين المشرقيين في العالم، وتحديدًا إلى جميع المسيحيّين في النطاق الأنطاكيّ، حيث لا معين إعلاميًّا محليًّا ينهلون منه لإنعاش حياتهم الروحيّة المسيحيّة. فأسّست جمعية المرسلين اللبنانيّين الموارنة إذاعة “صوت المحبّة” عام 1984. وباشرت محطة التلفزة “تيلي لوميار” بثّ برامجها الدينيّة عام 1991 بمبادرة من “تجمّع أبناء الكنيسة”، المؤلّف من مسيحيين علمانيين ملتزمين. وأسّست بعض الأبرشيّات المارونيّة في انتشار مجلات رعويّة دوريّة، فصدرت مجلّة “المرسَل” في الأرجنتين من جديد عام 1979 بعد احتجاب طويل، وتأسّست مجلّة “The Maronite Voice” في أبرشيّة مار مارون (بروكلين، نيويورك) عام 1994، وتلتها مجلّة “Maronites Today” في أبرشيّة سيّدة لبنان (لوس أنجلوس) عام 1995. كذلك صدر عن جمعيّة “The National Apostolate of Maronites ” في الولايات المتحدة الأميركيّة دوريّة NAM-News عام 1994.

الفصل الثالث : الكنيسة المارونيّة والواقع الحاليّ للإعلام الدينيّ والزمنيّ

  1. لا يزال الإعلام اللبنانيّ يشكّل، للكنيسة المارونيّة، الفسحة الأهمّ لنقل البشارة عبر وسائل الاتصالات الحديثة. ففي لبنان تكثر النشرات والمطبوعات الدورية إلى حدّ يصعب إحصاؤها بدقة، كما أنّ الإعلام الزمنيّ ذاته يخصّص مساحة واسعة للخبر الدينيّ، وبعض الصحف يخصّص صفحات كاملة لموضوع الأديان والمذاهب. ويمكن القول بأنّ الإعلام في لبنان ما زال مهتمًّا، إلى حدٍّ بعيد، بالناحية الدينيّة المسيحيّة مع وجود الكثيرين من الإعلاميين المسيحيّين المرموقين الذين يسعون إلى عيش رسالتهم في أمانة لروح الإنجيل، فيولون تغطية الحدث المسيحيّ والموقف المسيحيّ الاهتمام الذي يستحقانه. كذلك، لا بدّ من التنويه بإسهام الإعلاميين الموارنة العاملين في العديد من المؤسّسات الإعلاميّة الناطقة بالعربية والفرنسيّة والإنكليزيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والبرتغاليّة وغيرها على مدى القارات الخمس. إنّهم طاقة فاعلة، ومدعاة اعتزاز، ويجدر بكنيستنا أن تتعاون معهم بشكلٍ أفعل من أجل شهادة مارونيّة صادقة في خدمة الحقيقة.

أوّلاً: الواقع الحاليّ للإعلام الزمنيّ في لبنان

1. واقع الإعلام المكتوب

  1. بعد أن عانت الصحافة اللبنانيّة أثناء الحرب وما بعدها من التدخّل في شؤونها، والتلويح بإقفالها، وتعرّض بعض العاملين فيها لاعتداءات جسديّة بلغت حدّ الاستشهاد، ما دفع بالبعض منهم إلى ترك البلاد أو إلى طلب اللجوء السياسيّ في الخارج، استعادت هذه الصحافة شيئًا من رونقها ومصداقيتها. إلاّ أنّها ما زالت في بعض الحالات واقعة في تبعية سياسية مفرطة، وتاليًا غير قادرة على الاحتفاظ بالمسافة الموضوعيّة والنقديّة اللازمة. وبسبب الضغوط الماليّة عليها جراء الضائقة الاقتصاديّة، وطغيان الإعلام المرئيّ، ومنافسة كمّ كبير من الدوريات السطحية التي تعتمد الإثارة وتتوخى أهدافًا تجاريّة لا غير، يعاني بعض الصحافة اللبنانيّة من تبعيّة ماليّة تفقده قسطًا كبيرًا من حريته وموضوعيّته. ويبقى قانون المطبوعات اللبنانيّ الحاليّ مشوبًا بثغرات عدة، ولاسيّما لجهة التضييق على استصدار رخصة لتأسيس دوريّة سياسيّة جديدة. وما زالت الصحافة اللبنانيّة حتى اليوم تدفع أغلى الأثمان من أرواح أبنائها دفاعًا عن حريّتها المميزة في العالم العربيّ. والكنيسة المارونيّة، إذ تُكبر هذا الإنجاز الفريد، تنحني بإجلال أمام كلّ قطرة دم بذلهّا أهل الإعلام جميعًا، وعلى رأسهم الصحافيون، أمانة للحريّة والحقيقة.

2. واقع الإعلام المرئي والمسموع

  1. على صعيد قطاع الإعلام المرئيّ والمسموع، لم يأت تنظيم الواقع العشوائيّ الذي أفرزته الحرب الأخيرة في لبنان على مستوى الآمال. فقد صدر قانون تنظيم الإعلام المرئيّ والمسموع عام 1994[22] بما يخالف أحكام المادة 19 من الميثاق الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة، الذي صادق عليه لبنان عام 1972. وقد أكّدت هذا الواقع لجنة حقوق الإنسان المولجة مراقبة احترام الدول الأطراف لهذا الميثاق، إذ غابت على السلطات اللبنانيّة، في تقرير لها عام 1997، “غياب معايير عادلة وموضوعيّة تحكم منح التراخيص”، و”استحداث فئتين متمايزتين من محطّات التلفزة والراديو، تلك التي يحقّ لها بث الأخبار والبرامج السياسيّة وتلك التي لا يحق لها ذلك، وهذا غير مبرّر”، و”الحدّ من تعدديّة وسائل الإعلام وحريّة التعبير”. وتتبنّى الكنيسة المارونيّة هذا الموقف الدوليّ المحقّ بدون تحفّظ، وتزكيّ توصية اللجنة المرفوعة إلى السلطات اللبنانيّة والقائلة بوجوب مراجعة القانون ومرسومه التطبيقيّ وتعديلهما بما ينسجم مع أحكام الميثاق الدوليّ، وبضرورة “إنشاء سلطة مستقلّة لمنح تراخيص البث ومتمتعة بصلاحيّة دراسة الطلبات ومنح الرخص وفقًا لمعايير معقولة وموضوعيّة”[23].
  2. نتج عن قانون 1994 توزيع لتراخيص محطّات البث، التلفزيونيّة منها والإذاعيّة، على أساس محاصصة مذهبيّة وزعاميّة. ولئن كان بعض أصحاب هذه المحطّات من أبناء كنيستنا المارونيّة، ويخصصون جزءًا من برامجهم للمناسبات الدينيّة ولبعض المواضيع الروحيّة، ومنها ما يستحق التنويه، إلاّ أنّ اهتمامهم الأوّل يبقى، أسوة بغيرهم، محكومًا بمنطق السوق ومنصبًّا على اجتذاب المشاهدين أو المستمعين ضمانًا لمردود إعلانيّ، ودونما اعتبار كافٍ لمقتضيات البث الأخلاقيّة. رغم ذلك، فإنّ الكنيسة بقيت حريصة على التعاون مع المحطّات المذكورة، ومع غيرها، بغية معالجة قضايا إنسانيّة مصيريّة تهمّ الإنسان اللبنانيّ والعربيّ، وتكون منسجمة مع المبادئ المسيحيّة والقيم المدنيّة المعاصرة، كمثل قضايا حقوق الإنسان، والأسرة، والمرأة، والولد، والمجروح بإعاقة، وتعزيز التربية والتعليم، والعدالة الاجتماعيّة، وتنمية الشعوب، والتضامن بين الدول، وصيانة البيئة، وبناء السلام العالميّ على قواعد الحقيقة والعدالة والحريّة والمحبّة.
  3. وثمّة تطوّر حديث بالغ الأهميّة في الخريطة الإعلاميّة اللبنانيّة هو نشوء الفضائيّات. مع هذا الإنجاز، أصبح الفضاء الإعلاميّ العالميّ برّمته منفتحًا أمام الأفراد والأسر والجماعات في لبنان، وصار النتاج الإعلاميّ اللبنانيّ، بدوره، في متناول العالم الواسع. إنّ هذا الواقع يعدّ الإنسان بغنى ثقافيّ لا يحدّ، ويشجّع انفتاحه على قيم الحضارات الأخرى، ويوسّع نظرته إلى الحياة والوجود، وهذه كلّها نتائج محمودة، إلاّ أنّه ينذر أيضًا بمخاطر على الأسر عبر تسويق العنف، والإباحيّة، والمضامين البرّاقة الفارغة من المعنى، ما قد يؤدّي تدريجيًّا إلى انسلاب في الشخصيّة يبعد الإنسان عن احترام كرامته الذاتيّة الأصيلة وكرامة أخيه الإنسان. وتعي كنيستنا أنّ من واجبها الافادة من هذه الوسيلة الجبارة لإيصال الحياة الروحيّة المسيحيّة والتنشئة الدينيّة والأخلاقيّة إلى المسيحيّين وغيرهم في أقاصي النطاق البطريركيّ ودنيا انتشار. كما أنّها تدعو الوالدين والمربين إلى أن يظلّوا، بالتكافل معها، مهتمين بتوعية الأجيال الشابة على استخدام الفضائيّات بحكمة وفطنة وتمييز.

3. واقع الإعلام الإلكترونيّ

  1. الوسيلة الإعلاميّة الأحدث عهدًا في لبنان هي الشبكة الإلكترونيّة، التي تصفها الكنيسة بأنّها “اليوم مصدر لفوائد عظيمة، ويؤمل أن تزداد إفادة، بعد، عما هي عليه حاليًّا”[24]. وحيث أنّ هذه الشبكة قد أصبحت، مبدئيًّا، متاحة لمن يريد، فقد أنتجت ثورة حقيقيّة في الاتصال وفي الإعلام معًا. فالناشطون في حقوق الإنسان، مثلاً، يرون في البريد الإلكترونيّ وفي الخدمات الإعلاميّة للشبكة الإلكترونيّة البارود الحديث الذي سيدكّ آخر قلاع الأنظمة المستبّدة المتبقيّة في العالم. والعلماء يجدون فيها أفضل الوسائل لتبادل الخبرات بسرعة في ما بينهم، ولإيصال أحدث المكتشفات العلميّة إلى قلب كلّ بيت. لذا فإنّ كنيستنا تنبّه السلطات العامّة اللبنانيّة إلى وجوب فتح هذا المرفق أمام الجميع، وعدم تسليم قطاع المرحلات الإلكترونيّة إلى قلّة محتكرة.
  2. إحدى المشاكل التي تطرحها الشبكة الإلكترونيّة هي احتواؤها على مواقع تحضّ على الكراهيّة وعلى تحقير المجموعات الدينيّة والإثنيّة. والبعض منها يمسّ الكنيسة. هذه المواقع، كما الإباحيّة والعنف في وسائل الإعلام المرئيّ، “تعبّر عن البعد الأكثر اكفهرارًا في الطبيعة الإنسانيّة المجروحة بالخطيئة”[25]. وترتدي هذه المسألة أهميّة خاصّة في بلد كلبنان يحترم حريّة التعبير، وفي الوقت عينه يحرص على نموذجيّة الوئام بين عائلاته الروحيّة ومجموعاته الاثنيّة. لذا فإنّنا نقول، مع الكنيسة الجامعة، بأنّه، “مع الإقرار بأنّ احترام حريّة التعبير ربما تطلّب، إلى حدٍّ ما، تغاضيًا عن بعض المضامين المحمّلة بالكراهيّة، فإنّ ضبطًا ذاتيًّا لصناعة مواقع الشبكة – وصولاً إلى تدخل السلطات العامّة عنـد الاقتضاء – ينبغي أن يضع حدودًا معقولة لما يمكن قوله وأن يتقيّد بها”[26].

4. واقع قطاع الإعلان

  1. بدأ الازدهار الحقيقيّ لقطاع الإعلان في لبنان منذ خمسينات القرن العشرين، وبات يشكّل اليوم مرفقًا حيويًّا، وأحد المواقع الأكثر إنتاجًا في قطاع الخدمات اللبنانيّ. وبشكلٍ عامّ، يمكن القول بأنّ الإعلان، كما الإعلام، “لا ينطوي على ما هو، جوهريًّا، صالح أو طالح. إنه أداة ووسيلة. ويُمكن استخدامه للصالح كما للطالح”[27]. صحيح أنّ الغالب في لبنان هو وجهه السلبيّ شكلاً ومضمونًا، حيث اليافطات الإعلانيّة العملاقة التي تجتاح الحيّز العام على نحو عشوائيّ وكاسح، وذلك على حساب تنظيم البيئة المعمّرة، وأحيانًا بمحتوى يمسّ الذوق أو القيم الأخلاقيّة، إضافة إلى الإعلانات الضوضائيّة أو المسلّعة للمرأة على شاشات التلفزة، إلاّ أنّ الأمر لا يخلو أيضًا من جوانب إيجابيّة. فمن غير النادر أن نجد إعلانًا يدعم نتاجًا فكريًّا، أو فنيًّا، أو أدبيًّا رفيع الجودة. ويطالعنا أحيانًا دعم إعلانيّ لقطاعات مهمّشة في المجتمع، أو نتاج إعلانيّ منعش إن بظرفه، أو بحسن ذوقه، أو بقدرته الترفيهيّة.
  2. وترى الكنيسة المارونيّة أنّ على جميع قطاعات المجتمع، العامّة منها والخاصّة، الدينيّة منها والزمنيّة، أن تتآزر لتوجيه القطاع الإعلانيّ نحو تقديم الخبر الموضوعيّ للمستهلك، والإسهام في تحقيق مستوى معيشة أكثر إنسانيّة للجميع، وتعزيز الإعلانات الزاخرة بقيم الإيمان، والوطنيّة، والانفتاح على الآخر المختلف، والحدب على القريب، والمبرّة نحو المعوزين، ومكافحة الأمية، والتضامن مع المصاب بإعاقة. ولقد ذهب البابا بولس السادس إلى حدّ حث المؤسّسات الكاثوليكيّة على “متابعة نموّ التقنيات الإعلانيّة الحديثة باهتمام دائم،… ومعرفة كيفيّة استخدامها على نحو ملائم لنشر البشارة الإنجيليّة بشكلٍ يتناسب مع توقعات الإنسان المعاصر وحاجاته”[28].

ثانيًا: الواقع الحاليّ للإعلام الدينيّ في لبنان والعالم

1. واقع الإعلام المكتوب

  1. أحصى مكتب الاتحاد العالميّ للصحافة الكاثوليكيّة في لبنان ثمانية وستين دوريّة مسيحيّة رئيسيّة في لبنان، بين أسبوعيّة وشهريّة وفصليّة، حتى العام 2002[29]. تصدر هذه الدوريّات في معظمها باللغة العربيّة، وبعضها القليل الآخر بالفرنسيّة والانكليزيّة والأرمنيّة. وتتوزّع مواضيعها على حقول شتّى: الرعائيّات، العلوم الدينيّة، تلقين التعليم المسيحيّ، الحياة الليتورجيّة، البحوث الكتابيّة، الآبائيّات، الحياة الرهبانية، الحوار المسكونيّ، الحوار بين الأديان، الشأن الاجتماعيّ، العلوم اللاهوتيّة، المرافقة الروحيّة للمصابين بإعاقة، التراث السريانيّ، التراث البيزنطيّ، التنشئة المسيحيّة للبالغين، الروحيّات، رسالة العلمانيين، التاريخ الدينيّ، الحياة المكرّسة والكهنوتيّة، الدراسات المريميّة، قضايا عصريّة (العولمة، التثاقف، التبشير الجديد). وهذه الكثرة، إن دلّت على شيء، فعلى أنّ انتشار الوسائط البثيّة أو الإلكترونيّة لم يلغ الوسيلة الدينيّة المكتوبة في لبنان، التي بقيت شديدة الحيويّة. وعلى كلّ حال، فإنّ من بالغ الوهم أن نعتقد بأنّ “الوسائل المتطوّرة قد تكون في متناول المليارات الستة التي تتألف منها البشريّة، في زمن قريب. لذلك فإنّ الكنيسة، صديقة الفقراء، تبقى إلى جانبهم وتمنحهم الأولويّة في الخدمة والمحبّة”[30]. وفي مجال المجلات المارونيّة، يجدر التنويه بإعادة إحياء “المجلّة البطريركيّة” منذ مطلع العام 2004 تعميمًا لفائدة المؤمنين وخدمة لأهداف توثيقيّة شبيهة بتلك التي لمجلّة “أعمال الكرسيّ الرسوليّ” في حاضرة الفاتيكان.
  2. وفي الولايات المتّحدة الأميركيّة، صدرت عام 1997 مجلّة The Journal of Maronite Studies، وهي دوريّة بحثيّة مرموقة باللغة الإنكليزيّة يشرف عليها معهد الأبحاث المارونيّة (The Maronite Research Institute)، قبل أن تحتجب عام 2001. ومنذ مطلع العام 2005، قررت الأبرشيّتان المارونيّتان في الولايات المتّحدة الأميركيّة دمج منشورتيهما الأبرشيتين تحت عنوان واحد، The Maronite Voice. ويوزّع حاليًا من هذه المنشورة عشرة آلاف نسخة شهريًّا، على أن يرتفع العدد قريبًا إلى 30000 بعد إنجاز إحصاء الموارنة القاطنين في الولايات المتّحدة الأميركيّة. وهناك إيضًا دار النشر St Maron Publications، التي توفّر للمهتمين مراجع قيّمة حول تاريخ الكنيسة المارونيّة، ولاهوتها، وطقوسها الليتورجيّة، وروحانيّتها. وعلى صعيد أبرشيّات انتشار الأخرى، فقد أنشأت الكنيسة المارونيّة في أوستراليا، منذ العام 2003، مجلّة “Marounia” الأبرشيّة، باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، لتكون وسيلة تواصل بين الرعايا المارونيّة هناك.

2. واقع الإعلام المرئيّ والمسموع: “نورسات” و”تيلي لوميار” و”صوت المحبّة”

  1. العنوان البارز للإعلام المرئيّ المسيحيّ في لبنان والعالم هو تلفزيون “تيلي لوميار” وفضائيّته الرديفة “نور سات”، وهما تحت مظلة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، بإشراف اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام وذلك بموجب بروتوكول تعاون ينظّم العلاقة بين السلطة الكنسية وإدارة المؤسّسة، التي تضمّ مسؤولين دينيّين من جميع الكنائس المسيحيّة إضافة إلى علمانيين ملتزمين. وفي إثر مفاوضات مع السلطات اللبنانيّة بعد صدور قانون تنظيم الإعلام المرئيّ والمسموع عام 1994، الذي حال دون نشوء محطّات إعلاميّة لا تتوخى الربح، صدر عن مجلس الوزراء اللبنانيّ عام 1996 قرار على سبيل التسوية يعطي مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان عبر مؤسّسة “تيلي لوميار” حق البثّ على قناة من أقنية التلفزيون الرسميّ تحت اسم “تيلي لوميار – تلفزيون لبنان”، وذلك في إطار ترتيب خاصّ بالإعلام الدينيّ شمل جميع الطوائف، على أن تحتفظ المؤسّسة باستقلال ماليّ وإداري وبحريّة البرمجة والبث تحت رقابة حصريّة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان[31] أمّا فضائيّة “نور سات”، فقد انطلق العمل فيها عام 2004 بعد أن استحصلت على رخصة مستقلّة[32]. وهي تغطي اليوم كامل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا والأميركتين وأوستراليا ونيوزيلندا، وتمثّل أحدث وأوسع وسيلة إعلاميّة بيدّ الكنيسة في لبنان لتعميم رسالتها الإنجيليّة وتعاليمها الاجتماعيّة[33].
  2. أمّا الوسيلة المسموعة المتاحة للكنيسة، فهي إذاعة “صوت المحبّة”، التي تشرف عليها جمعية المرسلين اللبنانيّين الموارنة. و”صوت المحبّة”، على غرار “تيلي لوميار”، مسؤولة مباشرة أمام مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ولها حق البث على موجة من موجات الاذاعة الرسميّة تحت اسم “صوت المحبّة – إذاعة لبنان” بموجب التسوية عينها مع السلطات اللبنانيّة. وتغطي برامجها لبنان وسورية والأردن ومصر والأراضي المقدسة، ولها فرع في أستراليا يبث بالعربيّة والإنكليزيّة، كما أنّها تبث دون انقطاع عبر الإنترنت. لغتها الأساسيّة هي العربيّة، ولكنها تبث أيضًا بالفرنسيّة والإنكليزيّة والإيطاليّة والأرمنيّة والسيريلانكيّة والفيليبينيّة والحبشيّة وغيرها، إضافة إلى برامج ليتورجيّة باللغات السريانيّة واللاتينيّة واليونانيّة القديمة. وهي تبثّ بعض برامج إذاعة الفاتيكان متوأمة مع إذاعة “راديو ماريا” في إيطاليا. وتبثّ الإذاعة الرسميّة اللبنانيّة وبعض الإذاعات الخاصّة، يوميًّا، برامج دينيّة متنوعة.
  3. تحقّق “تيلي لوميار” و”صوت المحبّة” نجاحًا لافتًا على صعيد إنعاش حياة المؤمنين الروحيّة والليتورجيّة، وتعزيز التربية المسيحيّة، والتثقيف الدينيّ، والوئام المسكونيّ، والحوار البنّاء مع جميع الأديان والمذاهب والتيّارات الفكريّة، وتسهمان في شرح تعليم الكنيسة الاجتماعيّ، ونشر قيم العدالة والسلام، والدفاع عن كرامة الانسان وحقوقه. وهما تتمتّعان بسمعة طيّبة وبنسبة انصات مرتفعة، حتى في أوساط غير المسيحيّين في لبنان والعالم العربيّ ودنيا انتشار، وتسعيان دائمًا إلى مجاراة التقدّم التقنيّ في البث لتوسيع رقعة امتدادهما. ومن الواضح أنهما قد باتتا اليوم أداة عمل بالغة الأهميّة للكنيسة المارونيّة الأم ولأبرشيّات النطاق البطريركيّ وأبرشيّات انتشار. فهما، للأولى، ساحة فضلى لأداء شهادة المحبّة والحريّة في مجتمع تعدّدي، وللثانية وسيلة حيويّة لعيش الواجبات الدينيّة اليوميّة وتشرّب تعاليم الإنجيل والكنيسة في محيط غير مسيحيّ، وللثالثة منبع استقاء لروحانيّة التراث الشرقيّ وخصائصه الحضاريّة، وواسطة لتوثيق العرى مع الكنيسة الأم.

3. واقع الإعلام الإلكترونيّ

  1. مع ظهور الإنترنت، ازداد عدد المواقع الإلكترونيّة التابعة للأبرشيّات، والرعايا، والرهبانيّات، والمؤسّسات والحركات والمنظمات المارونيّة، ازديادًا كبيرًا جدًا إن في لبنان، حيث الكرسيّ البطريركيّ، أو في النطاق البطريركيّ ودنيا انتشار، وبات من العسير جدًا إحصاؤها جميعًا. إنّ بعض هذه المواقع هو من الجودة في التنظيم والتنوّع في المواد بحيث أنه يؤدّي فائدة جليلة للمؤمنين الموارنة كافة، كموقع “الكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة”[34] أو موقع “المجمع البطريركيّ المارونيّ”[35]. وبسبب اتساع مساحة بعض الأبرشيّات المارونيّة في انتشار، اعتمدت وسيلة الإنترنت لإيصال صورة إلكترونيّة عن المجلّة الأبرشيّة إلى المؤمنين (أستراليا، الأرجنتين). واستخدم أحد الآباء المرسلين اللبنانيّين الموارنة وسيلة الإنترنت والبريد الإلكترونيّ لإنجاز إحصاء دقيق للعائلات المتحدّرة من أصل لبنانيّ في الأرجنتين، مع جميع أصولها وفروعها، وهو الأوّل من نوعه في هذا الباب[36]. وقد حذت حذوه أبرشيتا الولايات المتّحدة الأميركيّة عملاً بتوصيات المجمع البطريركيّ المارونيّ الحالي. كما أنجز أحد الرهبان المريميين الموارنة موقعًا إلكترونيًّا مفصّلاً عن التراث المارونيّ باللغة الإنكليزيّة[37]. وما زالت أعداد مجلّة The Journal of Maronite Studies موجودة بالكامل على الشبكة، وذلك على أمل إعادة إطلاقها من جديد[38]. وثمّة مشاريع مهمّة أخرى هي قيد الإنجاز، كمشروع “إنجيل بلا حدود”، ذات الأهداف التعليميّة للجميع. وتسعى معظم الأبرشيّات المارونيّة حاليًّا إلى شبك رعاياها بعضًا ببعض عبر المواقع الإلكترونيّة.

4. المؤسّسات الكنسية ذات الطابع الإعلامي

  1. تمتلك الكنيسة في لبنان، فضلاً عن وسائلها الإعلاميّة، مؤسّسات كنسيّة عديدة ذات طابع إعلاميّ. رأس هذه المؤسّسات هو اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. ولئن عملت هذه اللجنة باسم الكنائس الكاثوليكيّة حصرًا، فإنّها في تعاون دائم مع جميع الطوائف المسيحيّة والإسلاميّة الأخرى، وكذلك مع القطاعات الإعلاميّة المدنيّة. ويتفرّع من هذه اللجنة جهاز تنفيذيّ هو المركز الكاثوليكيّ للإعلام، الذي أنشئ عام 1978، كما يرتبط بها مكتب الإتحاد العالميّ للصحافة الكاثوليكيّة في لبنان، الذي انطلق عام 1997. وليست هي وكالة أنباء أو محطّة إعلاميّة معينة بل هي لجنة للتنسيق والتشجيع والمواكبة والإشراف وما شاكل. وهي تضم فروعًا متخصّصة لكلّ من الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون والسينما، والوسائل السمعيّة البصريّة، إضافة إلى المركز الكاثوليكي للإعلام، فرع للتوثيق وآخر للمنشورات. وهي تشارك في إحياء اليوم العالميّ لوسائل الإعلام، ويقدّم مضمون رسالة الحبر الأعظم في هذه المناسبة مع ترجمتها إلى العربيّة، وتنشرها في وسائل الإعلام. إضافة إلى ذلك، فإنها تشرف على ترجمة الوثائق البابويّة إلى العربيّة وتعمل على نشرها. أمّا مكتب الإتحاد العالميّ للصحافة الكاثوليكيّة في لبنان، فيسعى إلى دعم مبادرات التأهيل الإعلاميّ، وإلى تشجيع الحضور الإعلاميّ المسيحيّ في لبنان والعالم العربيّ على قاعدة الانفتاح على المذاهب والأديان والدفاع عن الحريّات العامّة، ولاسيّما الحريّات الإعلاميّة. وتجدر الإشارة، أخيرًا، إلى وجود العديد من المعاهد الإعلاميّة أو ذات الطابع الإعلاميّ في الجامعات الكاثوليكيّة اللبنانيّة، وهي معاهد تؤدّي، إلى جانب مثيلاتها في الجامعات الرسميّة والخاصّة، الدور الأساس في تنشئة الاختصاصيين وتأهيلهم في شتّى حقول الإعلام والإعلان.

ثالثًا: صعوبات وتحدّيات من صميم الواقع الإعلاميّ الراهن

  1. يقف القطاع الإعلاميّ اليوم، بشقيه الزمنيّ والدينيّ، أمام صعوبات جوهريّة تتناوله في صميم دعوته الحقيقيّة التي هي، أبعد من مجرّد الإخبار والإنباء، “وسيلة دبرتها العناية الإلهيّة لتعزيز التواصل والتواحد في ما بين البشر أثناء حجّهم على الأرض”[39]. فبعض الإعلام الزمنيّ المعاصر يواجه تحدّيات الارتهان للمال، والتبعيّة للنفوذ، والتخلّي عن القيم طمعًا بالربح السريع، مستسلمًا لإرضاء الغرائز العابرة، ومبتعدًا عن التزام الحقيقة في نقل الوقائع وتحليلها، ومعْرضًا عن بناء الوحدة والسلام بين البشر. أمّا الإعلام الدينيّ، فيواجه تحدّيات النقص في الاحتراف المهنيّ، والارتجال في العرض والنقد، والتأخر في مواكبة الحدث، والإغراق في الأسلوب النصحيّ، والاسترسال في التعميم على حساب الموضوعيّة، وعدم ابتداع تعابير وأنماط إعلاميّة متناسبة مع روح العصر.
  2. إذا وعى الإعلام دعوته الأصيلة، فلا بدّ له من أن يكون نبويًّا، أي أن ينقل المضامين التي تحترم الحقيقة المطلقة والخير المطلق غير آبه لثمن. وإذا وعت الكنيسة دورها الأموميّ تجاه العالم، فلا بدّ لها من أن تقرأ علامات الأزمنة الجديدة التي أطلت مع الإعلام المعولم، فتدخل في تفاعل صادق ومتعاطف مع قطاع الإعلام وأهله، وتفهم تقنياته وعبقريّته الخاصّة، وتمحض الدعم للمتفننين فيه، بل وتطور “أنثروبولوجيا ولاهوتًا للإعلام، بحيث يصبح اللاهوت نفسه أكثر انسكابًا في الإعلام، وأكثر نجاحًا في الإفصاح عن قيم الإنجيل وفي تطبيقها على حقيقة الأوضاع البشرية المعاصرة”[40]. وهكذا تستطيع أن تؤثّر من الداخل في ديناميّة العولمة التي يهيكلها إعلام اليوم، فتؤسّس “لعولمة تكون في خدمة الشخص وفي خدمة كلّ شخص”[41].

الفصل الرابع : رؤية مستقبليّة للإعلام الدينيّ والزمنيّ

  1. في ضوء هذا التصوّر الرحب، يودّ مجمعنا البطريركيّ المارونيّ أن يتلمس رؤية مستقبليّة مفعمة بالأمل لكلا الإعلامين الدينيّ والزمنيّ المتصلين بالموارنة، لأنّ هذين القطاعين هما، في النهاية، وجهان لغاية واحدة، ألا وهي إعلان الحقيقة، محبّةً بخير البشر وخدمةً لوحدتهم. “فالإعلام”، يقول البابا يوحنّا بولس الثاني، “يهدف إلى توحيد الأشخاص وإلى إثراء حياتهم، لا إلى عزلهم واستغلالهم. ووسائل الإعلام، إن حسن استخدامها، تستطيع أن تسهم في خلق جماعة بشريّة مؤسّسة على العدالة والمحبّة. وبهذا الشرط وحده يمكنها أن تكون آيات رجاء”[42].

أوّلاً: نحو ميثاق مناقبيّ إعلاميّ

  1. يتوزّع الإعلاميون والإعلاميّات الموارنة على عدد كبير من وسائل الإعلام ذات التوجّهات المختلفة. وحيث إن من واجبهم الإلتزام بتعاليم الكنيسة الكاثوليكيّة، إضافة إلى الوفاء لآداب المهنة، يودّ مجمعنا أن يرسم الخطوط العريضة لميثاق مناقبيّ إعلاميّ يوصي بتفصيله ويتمنى اعتماده في وقت لاحق. ومن أهم قواعده:

– استلهام الروحانيّة المارونيّة في عناصرها الأساسيّة كما وردت في النصوص المجمعيّة الأخرى,

– الإلتزام بمبادئ تعليم الكنيسة الاجتماعيّ.

– الإلتزام بالقيم التي تميّز لبنان الرسالة: التعدديّة، الحريّة، كرامة الانسان الأصيلة، احترام حقوقه.

– الالتزام بالقيم الاجتماعيّة السامية: قدسية الأسرة، مكانة المرأة ومساواتها بالرجل، الأخوّة، التضامن، حسن الضيافة، القناعة، التمسّك بالأرض، قبول الآخر، التعمّق في التراث، إحترام البيئة.

– تعزيز القيم الثقافيّة والتنمويّة: حب المعرفة والإقبال عليها ونشرها، الانفتاح على الثقافات الأخرى، الريادة في النهضة الثقافيّة، تشجيع التقدم الاقتصاديّ والرقيّ الاجتماعيّ مع أخذ حاجات الشعوب الأخرى في الاعتبار، الانغراس في الحضارة المشرقية العربيّة مع الانفتاح المستمر على الحضارات والأديان الأخرى وعلى التراث العالميّ.

– التصدي للإعلام المنحرف المسوّق للاستهلاك، ومناهضة تسليع المرأة، والعنف، وتمجيد السلطة.

ثانيًا: نحو تعزيز حريّة الإعلام الزمنيّ في لبنان ودعم أمانته للحقيقة

  1. تلتزم كنيستنا برفع الصوت عاليًا لتحرير الإعلام الزمنيّ في لبنان من أيّة رقابة استنسابيّة. فرغم هامش الحريّة الواسع الذي تحظى به الوسائل الإعلاميّة اللبنانيّة، نجد في قانون المطبوعات وفي قانون تنظيم الإعلام المرئيّ والمسموع اللبنانيّين عيوبًا تمس مباشرة هذه الحريّة وتناقض نصّ الدستور اللبنانيّ وروحه. لذلك تضم كنيستنا صوتها إلى صوت لجنة حقوق الإنسان الدوليّة التابعة للميثاق الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة من إجل عدم الإبطاء في إنشاء هيئة مدنيّة مستقلّة من الاختصاصيين في القانون وفي حقل الإعلام المرئيّ والمسموع يُناط بها منح التراخيص الإعلاميّة لمن يستحقها من المؤسّسات وفقًا لمعايير موضوعيّة. كذلك، تطالب كنيستنا السلطات العامّة بإلغاء الشروط شبه التعجيزيّة التي تحول دون تأسيس صحيفة سياسية في لبنان.
  2. على صعيد آخر، وبعد تعاظم دور وسائل الإعلام في التأثير السلبيّ على الرأي العام، بدأت بعض الأصوات تطالب بوجوب إقامة “سلطة مضادة” قوامها قوى من المجتمع المدنيّ الحي ومهمتها مراقبة آلية عمل الوسائل الإعلاميّة لردعها عن الانحراف. هنا أيضًا، تلتزم كنيستنا أن تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز أمانة وسائل الإعلام للحقيقة، والسهر على عدم التمادي في النيل من كرامة الناس، أو الشعوب، أو المجموعات الإثنيّة، باسم الحريّة المتفلتة من كلّ قيد. وفي هذا السياق، تكرّر كنيستنا تعهدها بأن تبقى الصوت النبويّ الذي يرصد كلّ انتهاك لحقوق الإنسان بغية التنديد به وتصويب الأمور.

ثالثًا: نحو إعلام مسيحيّ أفضل

  1. ثمّة ثغرات في الإعلام المسيحيّ يتّفق الجميع على وجوب التصدّي لها. فهناك، أوّلاً، ضعف في استخدام السينما كوسيلة إعلام، ولم يسجل إنتاج أيّ فيلم طويل يستحق الذكر في قطاع الإعلام المسيحيّ منذ عشرات السنين، مع أن الصناعة السينمائيّة هي من أكثر الفنون الإعلاميّة اجتذابًا للإنسان وأفعلها تأثيرًا في المعرفة والسلوك وفي حمل البشارة. وهناك، ثانيًا، تلكؤ في بعض الأحيان إزاء اعتماد الكفاءة المهنيّة كمعيار لتسلم المسؤوليات في وسائل الإعلام المسيحيّة، وهذا حاضر أحيانًا بقوّة في الإعلام المرئيّ، لذا وجب اجتنابه. وتبرز، ثالثًا، حاجة ملحة إلى توفير ثقافة إعلاميّة قاعديّة للشبيبة المارونيّة في المدارس والمؤسّسات والجامعات والمعاهد الإكليريكيّة بغية التوعية على حسن استهلاك المادة الإعلاميّة وانتقاء الأفضل منها. وهناك، رابعًا، فائدة من توطيد التعاون بين الإعلام المسيحيّ والإعلام المدنيّ العام الذي تشرف عليه الدولة والذي يبقى، إلى حدٍّ بعيد، متحرّرًا من الارتهان لاقتصاد السوق. وهناك، خامسًا، ضرورة مبدئيّة لمراجعة الوضع القانونيّ لمؤسستيّ “تيلي لوميار” و”صوت المحبّة” تمهيدًا لاستصدار رخصة مستقلّة لكلّ منهما على غرار “نور سات”. ويرجى، سادسًا، تنسيق الجهود بين هذه المؤسّسات الثلاث لجهة تبادل الكفاءات والبرامج توفيرًا للموارد. ويستحسن، سابعًا ، وضع خطة ذكية ودائمة لتوفير دعم ماديّ هامّ لهذه المؤسّسات، إضافة إلى تبرعات المؤمنات والمؤمنين في لبنان وفي دنيا انتشار. والمطلوب، ثامنًا، هو وضع دليل مفصّل بجميع الموارنة العاملين في شتّى قطاعات الإعلام في لبنان وخارجه، وإقامة شبكة اتصال وتعاون في ما بينهم. ويتوجب، تاسعًا، إجراء مسح منهجيّ شامل لوسائل الإعلام المارونيّة في لبنان والعالم، وإقامة آليّة تعاون وتنسيق في ما بينها. وثـمّة تمنٍّ، أخيرًا، بأن يولى موضوع الإعلام الاهتمام الذي يستحق في الأدبيّات البطريركيّة والأسقفيّة المارونيّة على غرار ما هو عليه في الرسائل البابويّة.

خاتمة

  1. “أقول لكم إنّ كلّ كلمة باطلة يقولها الناس يحاسَبون عليها يوم الدينونة. لأنّك تزكّى بكلامك وبكلامك يُحكم عليك” (متى 12/36-37). هكذا يذكّرنا يسوع بأنّ الإعلام هو أوّلاً وأخيرًا فعل أخلاقيّ، وبأنّنا، في شأن الحقيقة، سنحاسب على ما قلنا بقدر ما سنُسأل عمّا كتمنا. لذا تودّ كنيستنا أن تمشي جنبًا إلى جنب مع أهل الإعلام لخدمة الأسرة البشريّة بالنور والحق. وهي تسترجع كلمات البابا يوحنّا بولس الثاني إلى الصحافيين في السنة اليوبيليّة لتقول عبرها لكلّ أبنائها وبناتها الموارنة من أهل الإعلام بأنّهم “يستطيعون أن يكونوا مسيحيّين أصيلين وفي الوقت عينه إعلاميين ممتازين”[43].
  2. إنّ الكنيسة المارونيّة تصلِّي إلى فاديها، الإعلاميّ الأوّل الذي “أخبر عن الآب” (يو 1/18)، كي تصبح العولمة القادمة على صهوة الإعلام أداة تواحد عالميّ بين الحضارات والشعوب، فتغدو خيرات الأرض الروحيّة والمادية تراثًا واحدًا للجميع في ديناميّة متناغمة من الوحدة والتنوع. وهي تضع ثقتها في جميع الإعلاميين والإعلاميّات ذوي الإرادة الصالحة لكي يكونوا شهودًا للحقيقة ولاحترام كرامة الإنسان. وتضرع كنيستنا إلى مريم، كرسيّ الحكمة ومستودع الكلمة الإلهيّ، كي تلهمها، على مثالها، نعمة إعلام الأرض ببهاء الحياة وفرحها لأنّ مسيحًا من أورشليم قد أنبأ بالكوكب الجديد.

 

توصيات النصّ وآليات العمل 

الموضوع  

التوصية

الآليّة

1- دور الكنيسة في مواكبة الإعلام

 

1- تبقى الكنيسة أمينة لدعوتها في أن تكون الصوت النبويّ الذي يرصد كلّ انتهاك لحقوق الإنسان وتصويب الحقيقة.

1-أ: إصدار رسائل بطريركيّة وتوجيهات أسقفيّة في موضوع الإعلام.

1-ب: تسليط الضوء على الإنتهاكات والتجاوزات.

2- دليل بالإعلام وبالإعلاميّين. 

2- يوصي المجمع بإجراء مسح منهجيّ شامل لوسائل الإعلام المارونيّة وللإعلاميّين الموارنة من اجل تعاون وتنسيق وأداء أفضل.

2- وضع دليل مفصّل بوسائل الإعلام المارونيّة في لبنان وانتشار من جهة وبالإعلاميّين الموارنة العاملين في شتّى القطاعات الإعلاميّة من جهة أخرى.

 

3- ميثاق مناقبيّ إعلاميّ.

3- يوصي المجمع ببلورة الخطوط العريضة لميثاق مناقبيّ إعلاميّ إنطلاقًا من الروحانيّة المارونيّة ومن مبادئ تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة.

3- إنشاء لجنة من إعلاميّين متخصّصين وملتزمين ومن لاهوتيّين تُعنى بكتابة دليل يكون بمثابة ميثاق ومرجع للإعلاميّ المارونيّ في عمله.

4- التراخيص الإعلاميّة

 

4- يضمّ المجمع صوته إلى صوت لجنة حقوق الإنسان الدوليّة التابعة للميثاق الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة في دعوته إلى منح التراخيص الإعلاميّة لمن يستحقها من المؤسّسات وفقًا لمعايير موضوعيّة.

4-أ: السعي لدى الدولة لإنشاء هيئة وطنيّة مستقلّة تتألف من إختصاصيّين في القانون وفي حقل الإعلام المرئيّ والمسموع ويُناط بها منح هذه التراخيص.

4-ب: العمل على إصدار تشريع ثابت لتيلي لوميار وصوت المحبّة.

5- رصد أداء وسائل الإعلام.

5- يوصي المجمع بوجوب إقامة هيئة مهمّتها رصد أداء الوسائل الإعلاميّة تجنّبًا للتجاوزات.

5-تجميع قوى المجتمع المدنيّ الحيّ من لجان أهل وإعلاميّين وكهنة ومنظّمات مدنيّة لمواكبة نتاج الإعلام وإبداء رأيها فيه وتحريك الرأي العام عند الضرورة.

 

 

6- الثقافة الإعلاميّة

6- يوصي المجمع بتوفير ثقافة إعلاميّة للشبيبة في المدارس والمؤسّسات والجامعات والمعاهد الإكليريكيّة بغية التوعية وحسن استهلاك المادة الإعلاميّة وانتقاء الأفضل منها.

6-أ: إدخال مادة الإعلام في التنشئة على أنواعها في الجامعات ودور التنشئة.

6-ب: العمل مع تلاميذ المدراس على إكتساب المهارات في حسن الإختيار وحسّ النقد من خلال ورش عمل وحلقات حوار.

7- معايير للعاملين وللمسؤولين في الإعلام الدينيّ ومواصفاتهم.

 

7- يوصي المجمع وسائل الإعلام الدينيّة بعدم التهاون في معياريّ الكفاءة المهنيّة والإلتزام الكنسيّ في اختيار العاملين فيها والمسؤولين عنها.

7-أ: تضع كلّ وسيلة إعلاميّة دينيّة المعايير والمواصفات المطلوبة للمرشّح لكلّ وظيفة آخذة بعين الإعتبار الكفاءة المهنيّة والإلتزام الكنسيّ.

 

7-ب: دعوة اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، المكلفة من مجلس البطاركة والأساقفة، إلى تعزيز إشرافها على الوسائل المناطة بها، وإبداء رأيها في موضوع المسؤولين عنها.

 

8- المركز الكاثوليكيّ للإعلام.

8- يوصي المجمع بتعزيز المركز الكاثوليكيّ للإعلام وتطويره.

8- دعوة اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام إلى دعم المركز وممارسة صلاحياتها في هذا الشأن ومدّه بالطاقات البشريّة والإمكانيّات الماديّة المناسبة.

9- السينما والبشارة.

9- يوصي المجمع المنتجين والمخرجين والفنانين بإيلاء القطاع السينمائيّ أهميّة بارزة لما له من تأثير على المشاهدين في نقل البشارة.

9-أ: مساعدة الفنانين المحترفين ولا سيّما الموارنة منهم على إنتاج سينمائيّ ذي مضمون صحيح.

 

 

9-ب: حثّ الكلّيات والمعاهد السمعيّة البصريّة في الجامعات المارونيّة على إنتاج أفلام دينيّة قصيرة وعلى إقامة مباريات ومنح جوائز تقديريّة.

 

 


1. المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، البيان المجمعيّ Inter Mirifica، عدد 1.

2. المرجع ذاته، عدد 2.

3. المرجع ذاته، عدد 12.

4. المرجع ذاته، عدد 15.

5. المرجع ذاته.

6. المرجع ذاته عدد 21.

7. المرجع ذاته، عدد 18.

8. البابا بولس السادس، الإرادة الرسوليّة In fructibus multis، 2 نيسان 1964.

9. البابا يوحنّا بولس الثاني، الدستور الرسوليّ Pastor Bonus، 28 حزيران 1988.

10. البابا بيّوس الثاني عشر، رسالة رسوليّة بتاريخ 14 شباط 1957.

11. وثيقة التعليمات الراعويّة إتحاد وتقدم، 23 أيار 1971، بتفويض خاصّ من البيان المجمعيّ Inter Mirifica، عدد 23.

12. المرجع ذاته، عدد 2.

13. المرجع ذاته، عدد 126.

14. المرجع ذاته، عدد 128.

15. الإباحيّة والعنف في وسائل الإعلام، 6 أيار 1989؛ قواعد التعاون المسكوني والتعاون بين الأديان على الصعيد الإعلامي، 4 تشرين الأوّل 1989؛ عهد جديد (بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لصدور وثيقة إتحاد وتقدم)، 22 شباط 1992؛ أخلاقيّات الإعلان، 22 شباط 1997؛ أخلاقيّات الإعلام الاجتماعيّ، 2 حزيران 2000؛ أخلاقيّات الإنترنت، 22 شباط 2002؛ الكنيسة والإنترنت، 22 شباط 2002.

16. البابا يوحنّا بولس الثاني، الرسالة الرسوليّة النموّ السريع، 24 كانون الثاني 2005، عدد 3.

17. البابا يوحنّا بولس الثاني، الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان”، 10 أيار 1997، عدد 111.

18. مجلة الصحافة اللبنانية، اليوبيل الماسي، العدد الثامن والعشرون، أيار 1998، ص 97.

19. تبعتها عام 1898جريدة “الهدى”، كبرى الأسبوعيات الأميركية الناطقة بالعربية وأطولها عمرًا. وقد أسسها المارونيّ نعوم مكرزل.

20. المرجع ذاته، ص 98.

21. صمدت جريدة نداء الوطن لمؤسسها الياس غريافي من 1966 إلى 1968، ومجلة الشراع لصاحبيها الأب أنطوان قرطباوي وأنطون نعمة (التي حلّت محلّ البشير عند توقفها عام 1947) من 1948 إلى 1961. و عادت نداء الوطن إلى الصدور لمدة قصيرة قبل احتجابها الحالي.

22. هو القانون 382 (تشرين الثاني 1984) الذي دخل حيّز التنفيذ بموجب المرسوم التطبيقي 7997 (أيار 1996).

23. الملاحظات الختامية للجنة حقوق الإنسان (على تقرير لبنان المرفوع بتاربخ 8 حزيران 1996)، 7 نيسان 1997.

24. المجلس الحبري للإعلام الإجتماعي، أخلاقيات الإنترنت، 22 شباط 2002، عدد 2.

25. المجلس الحبري للإعلام الإجتماعي، الكنيسة والإنترنت، 22 شباط 2002، عدد 8.

26. المرجع ذاته.

27. المجلس الحبري للإعلام الإجتماعي، أخلاقيات الإعلان، 22 شباط 1997، عدد 9.

28. المرجع ذاته، عدد 8.

29. الاتحاد العالمي للصحافة الكاثوليكيّة في لبنان، دليل المجلة المسيحيّة، آذار 2002.

30. المرجع ذاته، ص 6.

31. حمل القرار الوزاري الرقم 33 وصدر في 15/10/1996.

32. قرار من وزارة الاتصالات رقمه 447/1 وتاريخه 11/10/2004.

33. ثمّة محطات أخرى مسيحيّة تبث بالعربيّة من خارج لبنان، كمحطتيSAT  و “قناة الحياة”. إلاّ أنّ البعض منها يختلف، في توجّهاته الكبرى، عمّا تنشده الكنيسة المارونيّة، والكاثوليكيّة بوجه أعم، من انفتاح وموضوعيّة.

34. الموقع هو.lb www.opuslibani.org. يعطي صورة مفصّلة عن هيكليّة الكنائس الكاثوليكيّة في لبنان والشرق الأوسط ونشاطاتها.

35. الموقع هوwww.maronitesynod.com . يعطي صورة مفصّلة عن واقع الكنيسة المارونيّة حول العالم، ويحتوي على “الشبكة المارونيّة”، همزة الوصل الإلكترونيّة بين الكنيسة الأم وموارنة انتشار، بلغات خمس.

36. هو المرسل اللبنانيّ الأب حنون أندراوس.

37. الموقع هو www.maronite-heritage.com ، وهو من تصميم الراهب المريميّ الأب أنطونيو الفغالي.

38. الموقع هوwww.mari.org .

39. عهد جديد، عدد 12.

40. عهد جديد، عدد 8.

41. أخلاقيّات الإنترنت، عدد 10.

42. البابا يوحنّا بولس الثاني، رسالته في اليوم العالميّ الثاني والثلاثين للإعلام الاجتماعيّ، 24 كانون الثاني 1998، عدد 4.

43. البابا يوحنّا بولس الثاني، خطابه بمناسبة يوبيل الصحافيّين، 4 حزيران 2000، عدد 5.