الكنيسة في انتشارها العالمي

مقدّمة

  1. بين “المجمع البلديّ” الذي عقدته الكنيسة المارونيّة في دير سيّدة بكركيّ سنة 1856، والمجمع البطريركيّ الذي تعقده اليوم، مَرّت على أبناء كنيستنا المارونيّة ظروف ومتغيّرات حملت القسم الأكبر منهم على الهجرة من لبنان ومن بعض دول الشرق الأوسط، فانتشروا في كلّ بقعة من بقاع الأرض. حتى أنّ نسبة المنتشرين منهم باتت تفوق نسبة المقيمين، في حين أنّهم كانوا، قبل المجمع البلديّ المُشار إليه، ما يزالون بمجملهم يعيشون في لبنان وضمن النطاق البطريركيّ.
  2. لم تكن هذه الكنيسة مرتبطة، في نشأتها، بقوميّة خاصّة، وإنْ كانت قد نشأت في محيط سريانيّ، ولا كان أبناؤها يدافعون عن مصالح مرتبطة بأرض محدّدة كانت تخصّهم دون سواهم. بل كانت منذ البداية، تمارس العيش المشترك مع غيرها من الكنائس، ولم تكن تتميّز عنهم سوى بالمواقف الإيمانيّة التي جعلتها كنيسةً إنطاكيّةً في شركةٍ تامّة مع الكنيسة الكاثوليكيّة، وهذا ما أعطاها بين الكنائس فرادة في هويّتها وفي خصائص أبنائها عبر العصور.
  3. وقد يكون في بعض الأحداث القديمة، التي تعود إلى البدايات، دلالاتٌ على الروح الرسوليّة التي طَبَعَت الكنيسة المارونيّة، فيصبح مصير أبنائها اليوم امتدادًا لمصير آبائهم بالأمس عبر التمسّك بإرثٍ روحيٍّ ثمين، والانفتاح على المحيط، والتفاعل الحضاريّ معه إلى أقصى الحدود. في هذا الإطار، يمكن تقويم رسالة إبراهيم القورشيّ، تلميذ القدّيس مارون الناسك ورفاقه، الذين أتوا إلى لبنان، ونشروا فيه الإنجيل. فتكوّنت النواةُ الأولى لأبناء الكنيسة المارونيّة من المؤمنين الذين هاجروا من سورية، ومن سكّان لبنان الذين انضمّوا إلى إخوانهم الوافدين إليهم[1]. وهكذا يقوّم أيضًا فعل انتشار الموارنة في داخل لبنان، وفي نطاق الأراضي البطريركيّة الإنطاكيّة، أيّ في المحيط العربيّ المشرقيّ بحدوده الواسعة. لذلك فإنّ التطلّع إلى الانتشار المارونيّ الحديث وإلى المشكلات التي يعانيها للحفاظ على هويّة كنيسته وعلى وحدتها، وإلى الحلول المستقبليّة التي يجب اللجوء إليها، يتطلّب بحثًا في معنى الانتشار القديم الذي عرفته الكنيسة المارونيّة وتبيان أهليّة هذه الكنيسة لمواجهة قضايا هذا الانتشار، وهي أهليّة اكتسبتها بفضل الاختبارات الروحيّة والإنسانيّة التي عرفتها، وبفضل ما اختزنت عبر تاريخها من روحٍ رسوليّة ومن قدرة على التوفيق بين التمسّك بهويّتها والتفاعل الخلاّق مع محيطها.

الفصل الأوّل : تاريخ الانتشار المارونيّ

أولاً: الانتشار القديم

  1. إنّ الانتشار المارونيّ الأوّل، الذي كان من سورية الشماليّة إلى لبنان، لم يكن فقط هربًا من الاضّطهاد الذي تعرّض له الموارنة بفعل الانقسامات بين المسيحيّين، أو بفعل المضايقات من مرور الجيوش وبلبلة الأوضاع إبّان الصراع العربيّ ـ البيزنطيّ بعد الفتح الإسلاميّ، بل كان ثمرة تلاقٍ بين موارنة سورية وموارنة لبنان، الذين قبلوا الرسالة من المبشّرين القادمين إليهم من الشمال. وفي الوقت عينه مطلبًا للاطمئنان في جبال ووديان يعتصم فيها أهلُها لممارسة حرّيتهم الدينيّة في أجواء هادئة وأمينة. هكذا تحوّلت أرض لبنان إلى موئل للموارنة، توسّموا فيه عيشًا كريمًا ساعدهم، عبر زمن طويل، على بناء وطن جديد لهم كوّنوه بفعل إرادتهم وإرادة سائر اللبنانيّين، لتأمين الحرّية الدينيّة للجميع، والتعاون معًا كشعب واحد.
  2. وفي هذا الجوّ الإيجابيّ من التعاون بين اللبنانيّين، حَدَثَ الانتشار المارونيّ على أرض لبنان كلّه من أقصاه إلى أقصاه، حتى إنّ تاريخ لبنان الحديث قد تجمّع في هذا التلاقي الحياتيّ، على أرض واحدة، بين الموارنة وسائر العائلات الروحيّة في لبنان، المسيحيّة منها والدرزية والإسلاميّة، على حدّ سواء.
  3. إنتشر الموارنة يرافقهم رهبانهم وكهنتهم، فشيّدوا الأديار والكنائس في أماكن جديدة، واهتمّوا بالزراعة والعمران اهتمامًا بالغًا، وشيّدوا المدارس للجميع. ومن الضروريّ في هذا المجال التنويه بالعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيّين، وخصوصًا الموارنة منهم، في قُرى وبلدات واحدة، على الرغم من النكسات والمصاعب التي تعرّض لها ذلك العيش عبر أزمات سياسيّة ومتكرّرة.
  4. ومن لبنان كان الانتشار المارونيّ إلى البلدان العربيّة المحيطة. فعادت عائلات مارونيّة كثيرة من لبنان إلى سورية، وبخاصّة إلى مدينة حلب، وإلى منطقة حمص واللاذقيّة، وإلى دمشق ومحيطها. وانتشرت أيضًا عائلات مارونيّة جنوبًا إلى فلسطين، إلى القدس والناصرة وحيفا ويافا وسواها. واتخذ هذا الانتشار القديم صورة حضاريّة مميّزة في مصر[2]، حيث تواجد الموارنة بقوّة، فأرسل إليهم كهنة ورهبان منذ القرن الثامن عشر. هناك اندمج أبناء الكنيسة المارونيّة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة أحسن اندماج. وكانوا مجلّين في ميدان الصحافة التي أسّسوا كبرياتها، وفي النضال من أجل الحرّية لهم ولأبناء مصر على السّواء. أمّا في قبرص، فكان الانتشار المارونيّ القديم، منذ أواخر القرن الثالث عشر، مثلاً يُحتذى به في الأمانة للكنيسة الأمّ ولتراث الآباء والأجداد، على الرغم من الانقطاع الجغرافيّ بينهما. لذلك فإنّنا نجد في كلّ هذه الانتشارات المارونيّة القديمة على الأرض البطريركيّة لمعات تنير مستقبل الانتشار المارونيّ الجديد في العالم.

ثانيًا: الانتشار الجديد

  1. استجدّت على الموارنة ظروف متعدّدة الجوانب، فتحت أمامهم أبواب الهجرة عبر البحار إلى البلدان الغربيّة البعيدة. فغادروا وطنهم لبنان وغيره من بلدان الشرق الأوسط، بأعداد كبيرة متوجّهين نحو أوطان لم يكونوا يعرفون عنها شيئًا، سوى أنها كانت تستقبل المهاجرين إليها من كلّ حدب وصوب. تلك الهجرة من بلد إلى آخر لم تكن وضعًا مارونيّا خاصًّا، بل كانت ظاهرة معروفة في تاريخ البشريّة، حيث يقصد الناس رزقهم أينما وجدوه. لكنّ الهجرة المارونيّة تداخلت فيها مختلف الأسباب الاقتصاديّة والأمنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة.

ثالثًا: الأسباب التي دفعت إلى الهجرة والانتشار

  1. توالت على أرض لبنان أزمات وحروب قاسية، دفعت بالموارنة وبغيرهم من اللبنانيّين إلى الهجرة طلبًا للأمان والحرّيّة والعيش الكريم. كانت أولى تلك الأزمات أحداث سنة 1860، وما سبّبت من قتل وتدمير وتهجير، فدفعت بالكثيرين إلى الهجرة. أضف إلى ذلك انفصال المناطق اللبنانيّة بعضها عن بعض بفعل قيام الجبل اللبنانيّ مستقلاًّ عن الأطراف المحيطة، وقد سُلِخَت عنه أراض زراعية واسعة، وهذا أيضًا دفع الكثيرين إلى الهجرة. ولكنّ الهجرة تزايدت مع بداية تطوّر الصناعة في العالم الجديد. فقصد الموارنة واللبنانيّون البرازيل والأرجنتين والولايات المتّحدة، ولاحقًا كندا ليعملوا فيها ويكسبوا عيشهم كما توجّه بعضهم إلى أفريقيا الجنوبيّة وأستراليا. وقد استمرّت موجات الهجرة هذه حتى الحرب العالميّة الأولى، حين انطلقت موجة جديدة من المغادرين ضاعفت أعداد المنتشرين، ووسّعت رقعة انتشارهم.
    1. كانت الحرب العالميّة الأولى ونتائجها سببًا آخر من أسباب الهجرة من لبنان. فإنّ تلك الحرب قد رَمَتْ بظلِّها القاسي على أهل البلاد، وبخاصّة أبناء الجبل، فالثلثُ منهم ماتوا جوعًا بفعل حصار تموينيّ مارسته ضِدَّهُم السلطة العثمانيّة الحاكمة، وهاجر ثلث آخر منهم، وبقي في البلاد الثلثُ الأخير الذي أعاد إليها دورة الحياة مع قيام لبنان الكبير.
    2. أمّا الأزمة الكبيرة الثالثة، التي دفعت بموجات جديدة من المهاجرين إلى بلدان الاغتراب، فكانت الأحداث الأخيرة التي جرت على أرض الوطن بدءًا من 13 نيسان 1975. ومن جرّائها بلغ عددُ اللبنانيّين المهاجرين ما يقارب المليون نسمة، وأكثر من نصفهم موارنة. أفرغت هذه الحرب البلاد من الكثير من سكّانها الذين غادروها مُكرهين. وما زال عدد كبير يحاول الحصول على تأشيرة تمكّنه من الهجرة، مع عدم النيّة بالعودة إلى أرض الوطن.
    3. إلى تلك الأزمات الثلاث التي ضاعفت موجات التهجير، خيّم وضع اقتصاديّ سيّئ على لبنان ما بعد الحرب، فلم يعد بلد إنتاج وعمل كما في السابق[3]. لذلك فانّ هجرةً جديدةً قد حصلت أيضًا نحو بلدان أفريقيّة ونحو دول الخليج العربي. فتضاعف بسرعة عدد اللبنانيّين، ومنهم الموارنة، الذين طلبوا العمل في بلاد النفط العربيّ وفي بعض البلدان الأفريقيّة. إنّ هذه الهجرات لا تحمل في ذاتها صفة الديمومة، لأنّ المهاجرين إلى تلك البلدان لا ينوون الاستقرار فيها، ولا يطلبون من أولادهم أن يُكملوا حياتهم بين أهليها كمواطنين محليّين. إلاّ أنّ بقاء الكثيرين منهم حيث هم بات محتملاً، وخصوصًا في بعض البلدان المتطوّرة المستقلّة، ممّا يجعل عدد سكّان لبنان يتقلّص بشكل ظاهر ومخيف[4].
    4. تمّ التأكيدُ بأنّ الهجرة هي ظاهرة عالميّة، وتكاد تكون طبيعيّة في كثير من الظروف، إذ إنّ الاقتصاد في بلد معيّن قد لا يستوعب كلّ العاملين من أبنائه فيفتّش هؤلاء عن مجالات عمل خارج أوطانهم. ومن الطبيعيّ أن يُهاجر من أيّ بلد عدد من الناس يُعتبرون كفائضٍ على سكّانه، لكي يجدوا لهم فرصًا جديدة للعمل في بلدان جديدة، ويرتاح الباقون من بني قومهم إلى أوضاعهم ضمن بلد قادر على أن يقدّم لهم فرصًا طيّبة للعيش. لكنّه أمر غير طبيعيّ أن يغادر البلاد أهلها بصورة كثيفة، مخلّفين وراءهم نقصًا في السكّان وبخاصّة في المهارات والكفاءات العالية. وهذه هي اليوم حال لبنان، فإنّ أبناءه يغادرونه بأعداد مذهلة، ولاسيّما شبابه المثقّف والقادر على النهوض به وإعادة بنائه.
    5. حيال هذا الوضع الصّعب، الذي يعاني منه لبنان، يدعو الواجب أبناء هذا الوطن إلى التضامن، بغية الحدّ من نزيف الهجرة، الذي بات يُهدّد نسيجها الاجتماعيّ بالخلل. وإذا كانت الهجرة الأولى تُعتبر في نظر المهاجرين، فترة تجميعٍ للثروة، ليعودوا بعدها إلى البلاد للإقامة في ربوعها، فقد تكون الحاجة ماسّة اليوم إلى مثل هذا التوجّه، فيوحّد المغتربون والمقيمون جهودهم ويُحاولون معًا السَيْر بلبنان نحو استقرار منقذ لأبنائه. فالمسؤولون في لبنان تغنّوا بالاغتراب وبملحمة الانتشار، الذي يفخر به الوطن، ومع ذلك، فإنّهم تجاهلوا حقوق المنتشرين، ولم يهتمّوا بتسجيل أولادهم في خانة المواطنين اللبنانيّين.
    6. لكنّ هذه الظروف ليست من مسؤوليّة الوطن، ليُعامل بسلبيّة. فمن الضروريّ أن يعود اللبنانيّون إلى التلاقي في عمليّة إنقاذ بلدهم. أضف إلى أنّ أولئك المغتربين قد تحوّلوا إلى وضع آخر، فأسّسوا لهم حياة جديدة في أوطان جديدة، بعد أن عانوا المصاعب في أماكن انتشارهم، وكلّفهم ارتقاؤهم في سلّم المجتمعات، حيث حلّوا، جهودًا مضنية لا يعرف حجمها سواهم. ومن حسن الحظّ أنّ الكثيرين من الموارنة المنتشرين في بقاع الأرض قد بقوا محافظين على إنتمائهم الروحيّ والكنسيّ، حتى ولو ضعف لديهم الانتماء الوطنيّ. ولهذا فقد تكون الكنيسة قادرةً أكثر من غيرها على إعادة وصل ما انقطع بينهم وبين الوطن.

الفصل الثاني : الانتشار المارونيّ وتطوّره

أولاً: جغرافية الانتشار المارونيّ

  1. انتشر الموارنة تحت كلّ سماء، ابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واستمرّ هذا الانتشار طوال قرن ونصف قرن من الزّمن حتى أيّامنا. غامروا في القارّات الخمس، وبخاصة في الأميركيتين، الجنوبيّة والشماليّة، فلاقوا صعوبات ومفاجآت، وكانوا غرباء عن الأرض التي حلّوا فيها. لكنّ إيمانهم بالله، وتسلّحهم بقِيَم الآباء والأجداد، قد حمّلاهم على الثبات بعناد حيثما حَلّوا، وعلى النجاح في أعمالهم ومشاريعهم.
  2. في أميركا الجنوبيّة واللاتينيّة، توطّن عدد كبير من الموارنة، وهم اليوم يُقدَّرون بمئات الآلاف في الأرجنتين، وبالملايين في البرازيل وبعشرات الآلاف في غيرها من دول في أميركا الوسطى[5]. غادروا لبنان حاملين معهم إيمانهم وتمسّكهم بكنيسة الآباء والأجداد وبشفاعة القدّيسين الذين كانوا يطلبون شفاعتهم في قراهم وبلداتهم القديمة. غير أنّهم ذهبوا دون أن يرافقهم مباشرة كهنة أو رهبان في كنيستهم. فقصدوا الكنائس المفتوحة أمامهم للعبادة، وهي لاتينيّة بمجملها. فانضمّوا إلى أبنائها، وأدخلوا أولادهم إلى مدارسها، حتى إنّ عددًا منهم غيّروا أسماءهم لتصبح أكثر طواعيّة للّفظ لدى مواطنيهم الجدد. إلاّ أنّهم لم يتخلّوا عن كنيستهم المارونيّة كليًّا، بل رغبوا في أن تأتي هذه الكنيسة إليهم برهبان وكهنة يخدمونهم[6]. أقاموا لهم الأندية الاجتماعيّة في كلّ مدينة وعاصمة من بلدانهم الجديدة. لكنّ الكنائس المارونيّة التي شيّدوها لم تكن كثيرة العدد، بعكس ما حدث لإخوانهم في أميركا الشماليّة، لأنّ عدد الذين وصلوا إليهم من كهنة ورهبان لم يكونوا قادرين على خدمة مئات الآلاف من أبنائهم المشتّتين على مساحات شاسعة. أضف إلى ذلك أنّ الهجرات الأولى إلى تلك البلدان لم تتبعها موجات جديدة حتى أيّامنا الحاضرة، فتحوّل أكثرهم إلى الرعايا اللاتينيّة، وخرج من صفوفهم أساقفة وكهنة بأعداد كبيرة ليخدموا في نطاقها. غير أنّ الوضع في هذه البلدان بدأ يتغيّر الآن بفعل إنشاء أبرشيّات مارونيّة راحت تعمل فيها على لملمة الشمل وإعادة وَصْل ما انقطع بين الأبناء الموارنة وبين كنيستهم الأمّ في لبنان.
  3. أمّا في أميركا الشماليّة، فعرف الموارنة تطوّرًا مغايرًا عمّا حصل لإخوانهم في جنوبي هذه القارة، لأنّ الكنيسة في لبنان لبّت طلباتهم منذ بدايات القرن العشرين، وذهب إليهم الكهنة بأعداد وافرة. وكانت الكنيسة اللاتينيّة في تلك البلاد تستقبلُهُم وتُساعدهم على إنشاء كنائسهم الخاصّة وإقامة رعاياهم. لكنّ الأمر لا يعني أنّ غالبية الموارنة لم يندمجوا في الكنيسة اللاتينية، بل إنّ المندمجين فيها هم أكثر عددًا من الذين يتسجّلون اليوم في الرعايا المارونيّة. مع ذلك توصّلت الكنيسة المارونيّة إلى إنشاء رعايا يفوق عددُها الثمانين، في شرق البلاد وغربها، وصار لها أبرشيّتان، مع مطران يقيم في نيويورك على الساحل الشرقيّ من الولايات المتّحدة، ومطران آخر يقيم على ساحلها الغربيّ في لوس أنجلوس. وما يُقال عن الولايات المتّحدة، يُقال أيضًا عن كندا، حيث هجرة الموارنة متوسّطة القِدَم، وموجات مستمرّة من المهاجرين الجدد، يفوق عددهم حاليًا الثمانين ألفًا، وتسهر على تأمين الخدمات الروحيّة لهم أبرشيةُ مار مارون في مونتريال وأربع عشرة رعيّة تابعة لها إضافة إلى عدد من الإرساليات الرهبانيّة.
  4. وكان للموارنة انتشار قديم أيضًا في أستراليا وأفريقيا الجنوبيّة، يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد تغذّى الانتشار في أستراليا عبر دفعات جديدة من العائلات ومن الشباب إلى اليوم، حتى إنّ مدينة سيدني تكاد تكون المدينة التي تحتوي على أكبر عدد من الموارنة، وتكثر فيها الرعايا والمدارس الإرساليّة للرهبان والراهبات، وتتعلّم فيها الأجيال الجديدة اللغة العربيّة والفرنسيّة إلى جانب الإنكليزيّة. ولقد كان حضور الكنيسة قديمًا في هذين البلدين بفضل الإرساليّات الرهبانيّة التي سبقت تأسيس الأبرشيّات[7]. وفيما يراوح اليوم وجود الموارنة في أفريقيا الجنوبيّة مكانه، يتكاثر عددهم في أستراليا. إلاّ أنّ الكثيرين منهم مستعدّون للعودة إلى لبنان إذا ما تأمّنت لهم ظروف عيش مقبول وكريم في وطنهم الأمّ.
  5. ويسجّل انتشار مارونيّ حديث إلى دول أوروبا الغربيّة والشماليّة وبخاصّة إلى فرنسا[8]. غير أنّ هذه البلاد وسواها من البلدان الأوروبيّة لم تكن أصلاً منطقة هجرة للموارنة، بل قدّمت لهم فرص عمل ودراسة. ولولا الحرب اللبنانيّة الأخيرة، لما تطوّر هذا الانتشار وزاد عدد أبنائه على المئة ألف في الزمن الحاضر. أمّا خدمتهم الكنسيّة فهي سهلة وصعبة في آنٍ معًا. لأنّ الكثيرين من الكهنة يدرسون في أوروبا وبإمكانهم الاهتمام بإخوانهم المتواجدين في كبرى عواصمها؛ لكنّ الصعوبة باقية لأنّ الأبرشيّة المارونيّة التي خُطِّط لإنشائها في هذه القارّة لم ترَ النور بعد.
  6. وهناك مناطق أخرى من العالم ينتشر فيها الموارنة دون أن يسعوا إلى إقامات دائمة في دولها. وهي دول أفريقيا بصورة عامّة وبعض من دول الخليج العربيّ. وخدمة هؤلاء المنتشرين تؤمّن اليوم، وقد تؤمّن أكثر في الغد القريب، بفضل الإرساليّات الرهبانيّة الموجودة فيها، وبعض الكهنة والرهبان الذين وصلوا أو بدأوا يصلون إليها.
  7. هذا العرض الجغرافيّ لانتشار الموارنة خارج لبنان يدلّ على تنوّع ظروف هذا الانتشار. إلاّ أنّ استخلاصًا أوّليًا يدلّ على أنّ قسمًا كبيرًا من الموارنة صاروا مقيمين في خارج لبنان، وهذا يطرح موضوع مستقبل هذه الكنيسة ووحدتها وبقاء أبنائها راسخين في حضنها.

ثانيًا: تطوّر الحياة المارونيّة في الانتشار حتى اليوم

  1. لم يكن صعبًا على الموارنة تسلّق سلّم المجتمعات في أوساطهم الجديدة. فهم مطبوعون على التأقلم وعلى التواصل مع الآخرين قدوة بكنيستهم منذ نشأتها. ولهم من العصاميّة ما جعلهم يبرزون في العالم بصورة مميّزة، في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة كافة. غير أنّ المطلوب هو أن يندمجوا بشريًّا في مجتمعاتهم الانتشاريّة، مع المحافظة على هويّتهم الكنسيّة، فيبقوا أغصانًا نضرة مرتبطة بأصلها.
  2. فالكنيسة المارونيّة، على غرار الكرمة والأغصان (يو 15/5)، تبقى واحدة في كيانها ومتفرّعة في أماكن تواجدها عبر العالم. تبقى الأبرشيّات المارونيّة المنتشرة منتمية إلى الكرسيّ البطريركيّ، الذي يشكّل عامل الوحدة لهذه الكنيسة، بالأمانة للتراث المارونيّ السريانيّ الأنطاكيّ. تأخذ هذه الخصوصيّة طابعها في الزمان والمكان، على ضوء المتغيّرات الحضاريّة والثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، وفي انسجامٍ كامل مع الثوابت التي تجعل من الكنيسة المارونيّة كنيسة واحدة، متضامنة متأصّلة في جذورها الروحيّة حيث تجد علّة وجودها. وإذ يؤكّد الكرسيّ البطريركيّ، بالتوافق مع مجمع الأساقفة، على الأطر الخاصّة التي تسهم في ديناميّة نمّو واستمرار أبرشيّات الانتشار، تؤكّد هذه الأبرشيّات بدورها على وحدتها الروحيّة والتاريخيّة والقانونيّة مع كافة الأبرشيّات حول العالم منسجمة مع الكرسيّ البطريركيّ، رمز الوحدة.
  3. استقبلت الكنيسة اللاتينيّة بالعموم الموارنة الوافدين إلى أرضها؛ لكنّ الإكليروس فيها لم يكن على معرفة كبيرة بالكنائس الشرقيّة وبتاريخها. فتباينت المواقف عند أساقفة تلك الكنيسة، فالبعض منهم آثر تبنّي الموارنة في أبرشيّاتهم اللاتينيّة. فيما البعض الآخر سهّل انتشار الرعايا المارونيّة وأسهم في تشييد كنائسهم. وقد استمرّت الحالة على هذا التأرجح بين إقدام وإحجام حتى انعقاد المجمع الفاتيكانيّ الثاني، الذي ضمّ كلّ أساقفة العالم الكاثوليك بمن فيهم أساقفة أرض الانتشار. فساعد هذا المجمع المقدّس على إبراز حقيقة الكنائس الشرقيّة وقيمتها التاريخيّة والروحيّة الكبرى. وكان من جرّاء ذلك التطوّر أن سمح أساقفة روما، بعد هذا المجمع، بإنشاء أبرشيّات مارونيّة على أراضي الانتشار بالذات. واتُّخذ القرار بإقامة مثل هذه الأبرشيّات التي انتشرت في القارّتين الأميركيّة والأستراليّة وفي سواها من القارّات. وقد بات عددها في خارج لبنان يزيد على عدد الأبرشيّات في داخل الوطن الأمّ. أبرشيّات لبنان هي بعدد اثنتي عشرة أبرشيّة ونيابة فيما أبرشيّات الشرق الأوسط خارج لبنان هي بعدد ستّ أبرشيّات، وأبرشيّات القارّات الثلاث في أميركا وأستراليا وأوروبا وصلت بعددها إلى ثماني أبرشيّات.
  4. هذه التدابير الجديدة الصادرة عن الكرسيّ الرسوليّ شكّلت منعطفًا رئيسًا لتاريخ الانتشار المارونيّ ومستقبله، لأنّ الكنيسة المارونيّة قد اعتُرِف لها بالوجود القانونيّ في العالم، ولأنّها صارت قادرة على أن تحتضن أبناءها بصورة مباشرة. وقد أفادت الكنيسة المارونيّة أيضًا من روح المجمع الفاتيكانيّ الثاني، فحذت حَذْوَ الكنائس الغربيّة بترجمة قدّاسها المارونيّ، وكتب توزيع الأسرار المقدّسة، إلى اللغات المحكيّة على أرضها الجديدة. فكان هذا التدبير حيويًّا في عمليّة إبقاء الشباب المارونيّ من الأجيال الجديدة الثانية والثالثة في كنيستهم، أو في عودتهم إليها. وحسمت قضيّة المحافظة على التراث القديم بفضل اللغة العربيّة وحدها، وفتحت آفاق أمام الشباب الذي يريد اعتبار نفسه منتميًا إلى أوطانه الجديدة التي تحتضنه، ومنتميًا لجهة الإيمان والإرث الروحيّ إلى كنيسة أجداده.

ثالثًا: محاولات تجديد في الهيكليّات

  1. إلاّ أنّ هذا المنحى يتطلّب من كنيسة الانتشار أن تهيّئ لها كهنة وخدّامًا محليّين، يدركون إدراكًا أعمق حاجات الأجيال الجديدة فيها، وهي أجيال تغوص في واقعها الجديد، ولا يشدّها إلى الماضي حنين يأسر تطوّرها. فالمشكلة الأكثر إلحاحًا في أبرشيّات الانتشار هي النقص في عدد الكهنة القائمين على خدمة الرعايا، وكذلك النقص في الدعوات، حتى في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وقد تأسّست في عاصمتها واشنطن، منذ العام 1961، مدرسة اكليريكيّة مارونيّة وقد أسهمت في تخريج أسقفَيْن وعدد لا بأس به من الكهنة. الدعوات المحليّة ما زالت في تلك البلدان ضئيلة العدد، والكنيسة تتطلّع، من أجل تأمين خدمتها حتى الآن، إلى لبنان ليقدّم لها من أبنائه بحسب قدرته على العطاء. وأمانةً للتاريخ، لا بدّ من التنويه في هذا المجال بالجهود الكبيرة التي بُذِلَت والتضحيات التي قدّمها الرعيل الأوّل من الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين، الذين نجحوا في بناء الكنائس وإنشاء الرعايا رغم عدم وجود أسقف يرعى نشاطهم.

رابعًا: اللغة المستعملة في الطقوس

  1. حمل الموارنة معهم إلى المهاجر، كغيرهم من المغتربين، لغتهم العربيّة، وتمسّكوا بها كجزءٍ من تراثٍ يشدّهم إلى الوطن الأمّ، وهويّة يرفضون ضياعها. فمارسوها محكيّةً في المنـزل وفي المناسبات العائلية والاجتماعية، وعلّموها لأولادهم، وارتاحوا لسماعها في الكنيسة إلى جانب السريانيّة، كما اعتادوا على ذلك في قُراهُم. إلاّ أنّه، مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال، أخذت اللغة العربيّة بالتقلّص في أوساط المغتربين لاسيّما المتحدّرين منهم أبناء الجيل الثاني أو الثالث، فلم تعد محكيّةً ولا مفهومة إلاّ لدى عدد قليل منهم. وهكذا وجدت الكنيسةُ المارونيّةُ نفسها أمام مشكلة لغويّة تزداد تعقيدًا سنة بعد سنة، فكان لا بدّ لها من التأقلم مع الوضع الجديد، وإدخال اللغة المحليّة بصورة تدريجيّة إلى القدّاس وغيره من الطقوس. هذا مع الإبقاء على اللغة العربيّة، بالنسبة إلى من يستطيع فهمها. حقًّا إنّها مشكلة تتطلّب دراسة شاملة للتوصّل إلى اتّخاذ قرارات جريئة. فالسريانيّة هي لغة الليتورجيّا وعنصر أساسيّ يقتضي الحفاظُ عليه قدر المستطاع. أمّا العربيّة، فهي لا تتعدّى كونها لغة محليّة لا مَفرَّ من استبدالها، خارج حدود النطاق البطريركيّ، باللغة المحليّة التي يمارسها المُصلّون.

خامسًا: إلتحاق العديد من موارنة الانتشار بالكنائس المحليّة

  1. هناك عوامل كثيرة تضافرت وأدّت إلى اندماج القسم الأكبر من الموارنة وأحفادهم في الكنيسة اللاتينيّة المحليّة. صحيح أنّ هناك تجمّعات كثيفة للموارنة في بعض المدن الكبرى الكنديّة (مونتريال)، أو الأميركيّة (بروكلين، لوس أنجلوس) أو البرازيليّة (سان باولو، ريودي جانيرو)، أو الأستراليّة (سيدني، ملبورن). إلاّ أنّ ضرورات العيش والبحث عن عمل دفعت بالمهاجرين الموارنة، في الاتّجاهات كافّة، بحيثُ بات من الصّعب جدًّا تأمين الخدمات الروحيّة لهم جميعًا. إزاء هذا الواقع، كان من الطبيعيّ، بالنسبة إلى الكثيرين منهم، أن يلجأوا إلى أقرب كنيسة لاتينيّة لممارسة الشعائر الدينيّة. وقد سهّل لهم ذلك اقتناعُهم بأنّ الاختلاف مع اللاتين هو في الطقوس فقط، كما أنّ العلاقات التاريخية بين موارنة لبنان والكنائس الغربيّة كانت دومًا علاقات محبّة واحترام وتعاون. وهناك سبب آخر لهذا الاندماج نابع من رغبة الأهل في توفير التربية المسيحيّة لأولادهم، فكانوا يبذلون الجهود لإرسالهم إلى المدارس الكاثوليكيّة المحليّة وهي تابعة للرعايا اللاتينيّة. وهكذا وجدوا أنفسهم ملزمين بالانتماء إلى هذه الرعايا والمساهمة ماليًّا فيها، الأمر الذي يُؤمِّنُ لهم أيضًا مكانة اجتماعيّة أفضل في محيطهم. فكان الأولاد يترعرعون في بيئة لاتينيّة ويتبعون طقوسها. ولا بُدّ من الإشارة في هذا السياق إلى الزيجات المختلطة التي يتكاثر عددها عند أبناء الأجيال الجديدة.

سادسًا: إشكاليّة نقل الثقافة المارونيّة

  1. إنّ المدرسة مكمّلة للبيت والعائلة في نقل التراث الروحيّ والإنسانيّ من جيل إلى جيل. ولبنان أدرى بهذا الموضوع حيث المدرسة مؤمّنة والكنيسة ساهرة على إعطائها التوجيه الصحيح. بينما لا وجود تقريبًا لهذه المدرسة في أرض الانتشار، ما عدا في بعض البلدان البعيدة منها كأستراليا والقريبة كمصر وبعض الخليج العربي. وحيث لا توجد مثل هذه المدارس، فإنّ الحاجة ملحّة إلى تأمين كتب ووسائل لنقل التراث إلى أيدي التلاميذ كما حصل في الولايات المتّحدة الأميركيّة حيث تمكّنت الكنيسة المارونيّة من وضع سلسلة كتب للتعليم المسيحيّ. ويُرجى الاتّفاق مع المدارس اللاتينيّة في بلدان الانتشار من أجل نقل التراث الشرقيّ وتعليمه، وإدخال معلومات عن الكنائس الشرقيّة ضمن برامج التعليم الدينيّ العام. لكنّ هذا الأمر يحتاج إلى فعلة متفرّغين وإلى اختصاصيين في التربية. إنّ هذا الموضوع يطرح تحدّيًا أساسيًّا ستواجهُهُ الكنيسة المارونيّة عبر امتدادها في أرض الانتشار. وهو يتلخّص بالحفاظ على وحدة هذه الكنيسة وتنوّعها في آنٍ معًا. إنّها ستبقى واحدة بمقدار ما ترتبط بأصولها، وبمقدار ما تبقى الكنيسة في لبنان، وعلى رأسها بطريركها وراعيها الأوّل، ساهرةً على كُلّ الجماعات البعيدة. ويحتاج هذا التحدّي إلى نظرة جديدة ومستقبليّة لمصير المنتشرين في محيطاتهم الجديدة وبخاصّة في جوّ العولمة الجديدة، كما تحتاج أيضًا إلى تواصل أفعل مع الكنيسة الأمّ لتُعطى فرص النجاح في رسالتها الجديدة. وهذا ما يجب النظر إليه والتبصّر بشأنه عن طريق تصوّر لما يجب القيام به خدمة لمستقبل الانتشار ولمستقبل الكنيسة المارونيّة في كلّ مكان.

الفصل الثالث : الانتشار المارونيّ وتحدّيات المستقبل

  1. إنّ مسار التاريخ يُقدّم لنا قضيّة الانتشار المارونيّ عبر مراحل ثلاث، عرفها هذا الانتشار، وسيعرفها اكتمالاً لتطوّره ومعناه. ففي مرحلة أولى، كان الانتشار افتراقًا عن الوطن، واغترابًا مرًّا حَدَث وسط ظروف مأساويّة. وفي مرحلة ثانية، تحوّل الانتشار المارونيّ إلى ملحمة فرديّة وجماعيّة من النضال في سبيل نيل الرزق وسط ظروف صعبة، أدّت إلى اندماج المنتشرين في أوساطهم ودولهم الجديدة. أمّا المرحلة الثالثة، التي سيعرفها الانتشار، فهي حركة التلاقي والتواصل المُنَظَّم مع الوطن الأمّ لا بالعودة الجماعيّة إليه، بل بالتفاعل معه وحمل رسالته إلى العالم، وهي رسالة التعايش الخلاّق بين الأديان والحضارات.

أولاً: وحدة جديدة للكنيسة المارونيّة بين لبنان والانتشار

  1. يأتي انعقاد المجمع البطريركيّ الحاليّ في ذروة بلوغ الانتشار المارونيّ حدّه الأقصى، ولذلك فإنّ هذا المجمع يشهد حضور مسؤولي الانتشار الروحيّين لأوّل مرّة في تاريخ كنيستهم، ويطرح قضيّة المصير المارونيّ برمّته، وقضيّة وحدة هذه الكنيسة، وقد تفرّق أبناؤها إلى كلّ زاوية من زوايا الأرض قاطبة. فالوحدة المارونيّة لا تعني وصاية كنيسة على كنيسة، ولا جماعة منها على جماعة، ولا تعني أيضًا فرض خبرة واحدة على الجميع، وكأنّ الانتشار ليس بالفعل انتشارات عدّة ومتمايزة. إلاّ أن موضوع الوحدة المارونيّة يفرض نفسه بالسؤال عمّا ستؤول إليه كنائس الانتشار، إذا ما لم ترتبط روحيًّا وكيانيًّا بالكرسيّ البطريركيّ في لبنان، كما يفرض نفسه أيضًا بالسؤال عن مصير الكنيسة المارونيّة في لبنان إذا لم ترتبط هي أيضًا بأبنائها المنتشرين وهم الغالبيّة. وستكون رسالة المجمع الكبرى في الجواب على هذا التساؤل وفي إيجاد الخطط والحلول التي لا بدّ منها من أجل ترسيخ الوحدة المنشودة وتطويرها.
  2. إنّ بداية الطريق لهذه الوحدة هي في التواصل المستعاد والمنظّم بين الجميع. وهي تواصل بين كلّ الكنائس المنتشرة والكنيسة الأمّ، وعلى رأسها جميعًا بطريرك الكنيسة المارونيّة كلّها، ورمز وحدتها والضامن لثباتها ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً. فالكنيسة المارونيّة هي كنيسة مجمعيّة قائمة بحدّ ذاتها وهي في شركة تامّة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ. من هذا المنطلق، تظهر وحدة المصير بين أبناء الكنيسة المارونيّة، عبر وحدة الليتورجيّا والصلاة وممارسة الأسرار في كلّ الكنائس المارونيّة. ومن الضروري أن تعي الكنيسة المارونيّة هويّتها في كلّ مكان على أنّها كنيسة أنطاكيّة سريانيّة وأنّ هذا التراث يميّزها في العالم ويثبّت وحدتها على تراث روحيّ وحضاريّ واضح المعالم.
  3. إنّ هذا التصوّر الجديد للوحدة يفرض تنظيمًا خاصًّا تؤمَّن له الأطر القانونيّة والثقافيّة لتضمن له سبل التحقيق. فالحاجة عند الموارنة أصبحت واحدة بمعنى أنّ أيّ نقصان عند أحدهم يجب أن يواجهه الجميع. فالتنشئة الكهنوتيّة وتأمين الدعوات المحليّة أصبحا من الضرورة أن يحمل همَّهما الجسمُ المارونيّ الواحد كلّه في كلّ مكان. وقد تكون الحاجة ملحّة اليوم إلى تنظيم ينطلق من الكرسيّ البطريركيّ، للتواصل بين الداخل والانتشار، وتأمين التضامن الخلاّق بين الجميع.
  4. لذلك لا بدّ من إيجاد هيكليّات ثابتة، واتّخاذ تدابير عمليّة، ترجمةً للتحدّيات وتحقيقًا للوحدة المارونيّة الكنسيّة. يوصي المجمع البطريركيّ المارونيّ بإنشاء الدائرة البطريركيّة لشؤون الانتشار ضمن الأمانة العامّة في بكركي، تُحدَّد مهامّها لاحقًا على أن تتضمّن قسمين:
  • قسمًا إداريًّا، زمنيًّا، وطنيًّا، يمكن أن تُسهم فيه بعض المؤسّسات المارونيّة كالرابطة المارونيّة وغيرها…
  • قسمًا كنسيًّا يتناول كلّ ما له علاقة بالأبرشيّات وبلدان إنتشار الموارنة، يتكوّن من أمانة سرّ متفرّغة ومتخصّصة.

1. مساندة لبنان للإنتشار

  1. لم يُعْطَ الانتشار المارونيّ إلى اليوم، من قبل المقيمين، الأهمّيةَ التي يستحقّ. فهو طاقة كبيرة بشريّة وروحيّة هائلة يمكن أن يفيد منها لبنان والكنيسة المارونيّة معًا. وإذ تشير الإحصاءات الأوّليّة إلى أن هذا الانتشار يشكّل ما يزيد على سبعة ملايين مارونيّ توزّعوا في أربعة أقطار الأرض، فهي تشير أيضًا إلى أنّ حوالي مليون واحد منهم يرتبط ارتباطًا قانونيًّا بالكنيسة الأمّ، وأنّ أكثر من ثلاثة ملايين صاروا في عداد المندمجين في الكنائس اللاتينيّة. فهل يمكن إهمال هذا العدد الكبير وتركه يبتعد نهائيًّا عن كنيسته، أم يجب أن تُبذل جهود حثيثة لاسترجاع قسم منه إلى كنيسته الأمّ، ومن بين هؤلاء كهنة وأساقفة معروفون بطاقاتهم الروحيّة والرعائيّة الكبيرة؟
  2. ينبغي إجراء إحصاءات ودراسات في كلّ بلد من بلدان الانتشار، ليصير التعرّف إلى الطاقات المتواجدة في كلّ جماعة. كما يجب تزويد الأجيال الجديدة بالمعلومات الكافية عن ثقافتهم الأصليّة وعن المنجزات التاريخيّة التي قام بها أجدادهم في لبنان، وإجراء عمليّة اتّصال بينهم وبين الوطن الأمّ، لا تقوم على أساس الاستفادة الأحاديّة الجانب من القدرات الماديّة للمنتشرين، بل على أساس الشراكة في القيم وفي النضال من أجل هذه القيم، ورفع شأنها. إنّ التعريف بلبنان هو الشرط الأساسيّ لخلق تيّار محبّة عند المنتشرين لبلادهم القديمة. من هنا أهمّية إعطاء المنتشرين حقوقهم ومنها المواطنيّة والتملّك والعودة[9]. إنّ مشروع تعريف الشباب المنتشر إلى وطنه الأمّ لبنان، عبر زيارات سنويّة إلى أرض الأجداد، يشكّل برنامجًا أساسيًّا في إعادة الوصل بين الأجيال الجديدة الانتشاريّة والأجيال اللبنانيّة الطالعة[10].

2. مساندة المنتشرين للبنان

  1. يتمّ السعي إلى أن يهتمّ المنتشرون بمصير لبنان على أسس من الاختبارات التي يختزنها أبناء الانتشار، وهي أسس علميّة وتقنيّة وتنظيميّة عالية، قد يفتقر الوطن إلى مِثْلها. ويُطلب من المنتشرين أن يهتمّوا برسالة هذا الوطن ويدعموا قضاياه المحقّة، ويُسهموا في الحفاظ على هويّته وحضوره في منطقته وفي العالم. وإنّ للمنتشرين قُدرةً خاصّةً على إعادة إعمار لبنان. إنّ طاقات الشباب المارونيّ واللبنانيّ المنتشر هي من أهمّ الطاقات المجتمعيّة في المنطقة، ولها في العالم حضور كبير. فلم يَعُد من المقبول أن يُسْهم شباب لبنان المُثقَّف والمتخصّص في حقول متعدّدة في بناء دول العالم، وأن لا يُعطى فرصة للإسهام في بناء وطنه بالذات ودفع اقتصاده نحو الأمام. وإنّ تسجيل أولاد المتحدّرين من أصل لبنانيّ في سجلاّت قيود لبنان هو أمر هامّ وحيوي جدًّا، وهو حقّ للمنتشرين يجب أن لا يضيع[11].

3. المساندة المتبادلة

  1. لن تسعى الكنيسة المارونيّة إلى لبننة المنتشرين، وكأنّ ما صنعوه في انتشارهم وفي دخولهم إلى حياة أوطانهم الجديدة لا قيمة له. فالانتشار أصبح جزءًا من تاريخ هذه الكنيسة ومكمّلاً لدعوتها الروحيّة، كما أراد الله لها أن تكون. ولقد تحوّل مصير هذه الكنيسة مع الانتشار إلى مصير عالميّ يوجب النظر إلى مستقبلها على هذا الأساس. إلاّ أنّ الحضور المارونيّ في العالم يبقى بحاجة إلى الكنيسة الأمّ في لبنان من أجل تثبيت هويّته. فإن لم يُطلَب من المارونيّ الغربيّ أن يعتبر نفسه مواطنًا لبنانيًّا، إذا أراد أن يكون أميركيًّا أو برازيليًّا؛ فهو لن يمكنه أن يبقى مارونيًّا من دون تواصل مع كنيسته المارونيّة في لبنان ومن دون ارتباط عضويّ بها. وإلاّ فنضحي أمام مارونيّات متعدّدة قد لا تكون قادرة على البقاء في محيط ثقافيّ وروحيّ واسع يستوعب الأقلّيات بكلّ سهولة. أمّا في حال التواصل مع الكنيسة الأمّ في لبنان، فإنّ كلّ الأبرشيّات المارونيّة تعود وترتبط بأصلها وتحافظ على الشراكة في ما بينها. البطريركيّة هي أصل الشجرة، والأبرشيّات في الانتشار هي أغصان فيها نضرة، وهي تتغذّى كنسيًّا وإنسانيًّا من ينبوع واحد.
  2. وما يقال عن حاجة الكنائس في الانتشار إلى الكنيسة الأمّ، يُقال أيضًا عن حاجات تلك الأخيرة إلى كنائس الانتشار بالذات. فهي منذ أن انتشر أبناؤها في العالم، باتت لا ترى نفسها من دونهم، لأنّ الكنيسة هي كنيسة بكلّ أبنائها، وهم جميعًا دعم لها وقوّة. فأيّ انفصال لعضو من أعضاء الجسد الواحد يشكّل ضررًا على الجسم كلّه. وكلّ ترابط بين الأعضاء يعطي مناعة الجسم بأكمله. فالكنيسة المارونيّة لم تعد على المستوى الوجوديّ كنيسة خاصّة محصورة في مكان معيّن، بل تحوّلت إلى كنيسة عالميّة الحضور رغم أنّ تراثها يبقى شرقيًّا وسريانيًّا.
  3. إنّ هذا الوضع الجديد الذي تعرفه الكنيسة المارونيّة والذي تتشارك فيه مع الكنائس الشرقيّة بأسرها، بفعل انتشارها هي أيضًا في كلّ مكان، ليدعو إلى التفكير في العلاقات التي تقوم اليوم بين مختلف الكنائس في العالم، وبخاصّة تلك التي تجمعها شراكة في الإيمان الواحد. فالمبدأ الكنسيّ القديم الذي يظهر في القانون الثامن للمجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية (325)، والذي يقضي بأن يكون للمدينة الواحدة أسقف واحد، قد تغيّرت اليوم ظروف تطبيقه. من هذا المنطلق، رأت الكنيسة الكاثوليكيّة أن يكون في مدينة واحدة أكثر من أسقف واحد لا أسقفان، على أن يكون التعاون بينهم فاعلاً ومنظمًّا لخير الجميع. هذا هو العالم الجديد الذي يتعرّض لمشاكل جديدة، ويستنبط لها حلولاً جديدة. ومن أجل أن تقوم الكنيسة المارونيّة بواجبها في هذه الرسالة على أكمل وجه، يتوجّب عليها أن تحمل مسؤوليّاتها ككنيسة واحدة، أعطاها الربّ أن يمتدّ وجودها من لبنان إلى أقاصي الأرض.
  4. غير أن هذه المسؤوليّة تؤتي ثمارها إذا امتدّت الرعاية والولاية البطريركيّة على أبناء الكنيسة المارونيّة أينما وُجدوا. فيُصار إلى إكتشاف حاجاتهم، وتُنشأ الرعايا والأبرشيّات حيث يبدو ذلك ضروريًّا، بعد موافقة الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ على ذلك[12]. فالكنيسة الكاثوليكيّة التي تعترف بالكنائس البطريركيّة ككنائس قائمة بحدّ ذاتها، ترتكز على مبدأ التعدديّة ضمن الوحدة. فلهذه الكنائس البطريركيّة الشرقيّة لاهوتها وطقوسها وتراثها وأنظمتها وتقاليدُها، كما للكنيسة اللاتينيّة. ولقد عبّر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عن هذه الحقيقة في رسالته العامّة: “ليكونوا واحدًا”، بقوله: “على الكنيسة أن تتنفّس برئتَيْها” (عدد 54). تبعًا لذلك، لا تندرج المطالبة بتوسيع الولاية البطريركيّة في مجال التنافس وتقاسم الصلاحيّات، بل في الحفاظ على الأصالة الكنسيّة الشرقيّة. لأن الكنيسة البطريركيّة هي بمثابة الكنيسة الأمّ لكلّ الأبرشيّات المارونيّة شرقًا وغربًا. ويبقى الرباط بين الكنيسة البطريركيّة والكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ راسخًا وعميقًا، لأنّه يتأصّل في الشركة الكنسيّة الواحدة، شركة الإيمان والمحبّة. إضافة إلى ذلك، باستطاعة كنائسنا الشرقيّة المنغرسة في وسط الكنيسة اللاتينيّة، أن تحقّق التفاعل والإنفتاح على التراث الشرقيّ، وأن تعطي نموذجًا لما يمكن أن تؤدّي إليه الحركة المسكونيّة مستقبلاً، في تحقيق وحدة المسيحيّين ضمن كنيسة المسيح الواحدة، التي تعبّر عن ذاتها في تراثات كنسيّة متنوّعة.

ثانيًا: رسالة الكنيسة المارونيّة العالميّة

  1. الكنيسةُ المارونيّةُ كنيسة نسكيّة يهوى أهلها الصلاة ويتأثّرون بقداسة القدّيسين. وهي، في الوقت عينه، كنيسة الجسور الممدودة وكنيسة الحدود عند ملتقى الحضارات. جمعت آراميّي الداخل السوريّ، وكنعانيّي الساحل والجبل اللبنانيّ، وألفت بين ثقافة السريان وثقافة العرب، وعاشت الحوار في حياتها اليوميّة مع الإسلام، وحافظت على هويّتها الشرقيّة ضمن الشركة مع الكنيسة الرومانيّة، فأفسح لها كلّ هذا في المجال بأن تكون جسرًا بين شعوبٍ وشعوب. لقد أسهمتِ الكنيسةُ المارونيّةُ في تعريف الغرب على التراث المسيحيّ الشرقيّ، وفي فتح باب الحوار والتبادل بين الكنيسة اللاتينيّة والكنيسة المارونيّة وسائر الكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة. إنّ هذا المصير الخاصّ بالكنيسة المارونيّة قد أعطى أهلها مقدرةً على الثبات في الإيمان بفعل صمودهم من أجل الحرّية في جبال لبنان، كما أعطاهم أهْلِيَّة الحوار مع جميع الناس، حيثما تواجدوا.
  2. أفلا تكون العنايةُ الإلهيّة هي التي هَيَّأت للموارنة اليوم رسالةً واسعة بوسع انتشارهم، تأخذ طابع الحوار بين الأديان والثقافات التي يتعايشون معها؟ إنّ هذه النظرة تُقوّي الدعوة إلى وحدة الموارنة في العالم، لأنّهُم يقومون برسالة واحدة، ويقفون تجاه القضايا الكبرى في العالم موقِفًا واحدًا مُوَحَّدًا؟ هذه النظرة إلى الأمور تملي على موارنة الانتشار بأن ينفتحوا أكثر فأكثر على ثقافتهم القديمة، كما تُملي أيضًا على موارنة لبنان بأن يضعوا أيديهم بأيدي أخوتهم في الانتشار، ليقوموا معًا برسالتهم المشتركة على أرفع مستوى.
  3. إنّها الغاية الكبرى التي تسعى إليها الكنيسة المارونيّة في هذا الزمن، في النطاق الأنطاكيّ ودنيا الانتشار. ويبقى أن توفّر لهذه الغاية وسائلها، لكي تصل الكنيسة بها إلى كمال التحقيق. وإذا نظرت هذه الكنيسة إلى دعوتها العالميّة بعين الإيمان والعقل، فإنّ الوسائل المطلوبة من أجلها تصبح قابلة للتأمين بقوّة الإيمان والعقل أيضًا. وهذا ما يوصي به المجمع البطريركيّ الحاضر الذي كان بامتياز مجمع تلاقٍ، يحدث لأوّل مرّة بين أبناء الكنيسة المارونيّة الأمّ وأبناء كنائس الانتشار، التي كبرت ونضجت وصارت معدّة لتعطي أطيب الثمار.

خاتمة

  1. لقد كان طرح موضوع الانتشار المارونيّ في نطاق أعمال هذا المجمع علامة من علامات الأزمنة في الكنيسة المارونيّة. فهو قد لَقِي القبول الكلّي لمعالجته لدى الآباء ولدى أفراد الشعب من المقيمين والمنتشرين. وما من شكّ في أنّ هذا الاكتشاف المتبادل والجديد قد حدث ويحدث بهذه القوّة وبهذا الحبّ لأوّل مرّة في تاريخ الكنيسة المارونيّة. فالبيت المارونيّ، الذي عانى من الهجرة على مدى قرن ونصف قرن من الزمن، قد استعاد زهوًا كان يتشوّق إليه منذ زمن بعيد. وها هي الكنيسة تجمع أبناءها، وهم رغبوا كلّهم في هذا المجمع، ورأوا فيه منطلقًا لوحدة جديدة في ما بينهم.
  2. لن تكون الطريق سهلة، بعد هذا المنعطف الجديد، أمام كلّ من يحمل مسؤوليّة المصير المارونيّ الواحد في العالم الفسيح والمتعدّد. فالروح القدس سيُلهم الجميع في الكنيسة المارونيّة إلى قبول دعوتهم، كما برزت في وجهها الحاضر وإلى توفير الشروط اللازمة لتلبيتها بحسب إرادة الربّ. ولا بدّ من أنّ إعلان القدّيسين الموارنة شربل ورفقا ونعمة الله، الثلاثة في الحقبة التي رافقت الأحداث اللبنانيّة الأليمة، التي سبقت انعقاد هذا المجمع، سيعطي المؤمنين دفعًا أكبر للسَير في الطريق الجديد الذي ينفتح أمامهم بالربّ. ولسوف يكتشفون أنّ الربّ بذاته هو الطريق والرفيق إلى المنتهى وإلى ما بعده أيضًا، تمجّد اسمه وتبارك إلى أبد الدهور!

 

توصيات النصّ وآليات العمل 

 

الموضوع  

التوصية

الآليّة

1- الشراكة بين موارنة لبنان وبلاد الانتشار.

 

1- تعزيزاً لروح الشراكة والتضامن بين موارنة لبنان والنطاق البطريركيّ وموارنة بلاد الانتشار على أساس الوحدة في التنوّع، يوصي المجمع:

1-أ: بإجراء إحصاءات ودراسات دقيقة في كلّ بلد من بلدان الانتشار ليصير التعرف إلى الطاقات المتواجدة في كل جماعة؛

1-ب: بتزويد الأجيال الجديدة في بلاد الانتشار بالمعلومات الكافية عن ثقافتهم الأصليّة وعن نضال أجدادهم التاريخيّ في لبنان والمنطقة في حقول كرامة الإنسان وحقوقه؛

1-ج: بالعمل بكلّ الوسائل المتاحة على إعطاء المنتشرين حقوقهم المدنيّة في لبنان وفي طليعتها حقّ المواطنيّة. وفي هذا المجال بالذات يوصي المجمع بمتابعة المساعي لدى السلطات اللبنانيّة المختصّة من أجل تسجيل أولاد المتحدّرين من أصل لبنانيّ في سجلاّت قيود لبنان.

 

 

 

 

1-أ: تنشىء كلّ أبرشيّة من أبرشيّات الانتشار لجنة لإجراء الدراسات والإحصاءات ضمن حدودها.

1-ب: يمكن الاستفادة من بعض التوصيات الواردة في النصوص المتعلّقة بالهويّة (نصّ 2)، والليتورجيا (نصّ 12)، والثقافة (نصّ 18).

 

1-ج: بالنسبة إلى تسجيل أولاد المتحدّرين من أصل لبناني، على الأساقفة وكهنة الرعايا في الانتشار اعتماد الآليّة التي اقترحتها اللجنة الأسقفيّة للإنتشار. (أنظر الورقة المرفقة).

 

 

 

2- نقل التراث الكنسيّ الشرقيّ إلى الأجيال الجديدة.

 

 

2- في ظلّ غياب المدارس المارونيّة في معظم أبرشيّات الانتشار، والتي يُعَوّل عليها عادةً في نقل التراث الكنسيّ الشرقيّ إلى الأجيال الجديدة، يوصي المجمع بأن تعمل تلك الأبرشيّات، بالتعاون مع الكنائس الشرقيّة الأخرى المتواجدة في الخارج، وبالتنسيق مع السلطات الكنسيّة المحليّة، على إدخال معلومات أساسيّة عن الكنائس الشرقيّة وتراثها الليتورجيّ والأبائيّ والروحيّ ضمن برامج التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ المتّبعة في تلك الأنحاء.

 

 

2- تعدّ أبرشيّات الانتشار، بالتعاون مع أهل الإختصاص، ، حيث تدعو الحاجة، دليلاً عن الكنائس الشرقيّة وتراثاتها المتنوّعة كيّ يستخدم إلى جانب كتب التعليم المسيحيّ.

 

3- الدائرة البطريركيّة لشؤون الانتشار.

 

3- تعزيزًا للشراكة والتواصل بين الكرسيّ البطريركيّ في لبنان وأبرشيّات الانتشار، يوصي المجمع بإنشاء دائرة بطريركيّة لشؤون الانتشار ضمن الأمانة العامّة (راجع التوصية في النصّ 5).

 

 

4- زيارات سنويّة للشبيبة المنتشرة إلى أرض الجذور.

 

4- حرصًا على تقوية الروابط بين الشبيبة المنتشرة وأرض الجذور حيث البطريركيّة ومراكز القديسين، يوصي المجمع بإعداد مشروع متكامل يهدف إلى تعريف الأجيال الشابة إلى تراثهم على كلّ الصعد.

 

4-أ: التعاون في هذا المجال مع اللجنة الأسقفيّة للثقافة والتراث، ومع الرابطة المارونيّة، ومع الجامعات المارونيّة.

4-ب: تنظيم زيارات سنويّة إلى لبنان وبلدان النطاق البطريركيّ لإعادة الوصل بين الأجيال الجديدة في الانتشار والنطاق البطريركيّ.

 

 

5- توسيع ولاية البطريرك المارونيّ.

 

5- صونًا لوحدة الكنيسة البطريركيّة المارونيّة في النطاق البطريركيّ وبلاد الانتشار، يدعو المجمع، بالإستناد إلى لاهوت الكنيسة البطريركيّة ومبدأ الوحدة في التنوّع ضمن الكنيسة الكاثوليكيّة، إلى مواصلة البحث والحوار مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ لتذليل الصعوبات القانونيّة التي ما زالت تحول دون توسيع الولاية الفعليّة للسيّد البطريرك على جميع أبنائه حيثما حلّوا.

 

5- بما أنّ هذه المسألة هي مشتركة بين الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، فلا بدّ من متابعة المساعي التي قام بها في هذا المجال بطاركة الشرق الكاثوليك مع المراجع الرومانيّة.

 

 


1. راجع: مختصر تاريخ الكنيسة المارونيّة لسيادة المطران يوسف محفوظ، الفصل السادس، ص 30 إلى 34.

2. فيليب حتّي، “تاريخ لبنان“، دار الثقافة، بيروت 1985، ص 575 ـ 580.

3. راجع: دراسة بقلم د. بطرس لبكي في كتاب اللبنانيّون في العالم، قرن من الهجرة، ص 609.

4. إليكسانَف، “المغتربون، تجربة الهجرة الباكرة إلى أمريكا“، ترجمة د. فؤاد أيوب، دار دمشق، 1988، ص 89 ـ 105.

5. راجي عشقوتي، “لبنان في البرازيل“، لبنان 1986، ص43. نبيل حرفوش، “الحضور اللبنانيّ في العالم“، (مقرّرات وتوصيات مؤتمرات الجامعة اللبنانيّة الثقافيّة في العالم 1985 ـ 1988)، بيروت 1988.

6. راجع: دراسة بقلم كلارك نولتون في كتاب اللبنانيّون في العالم، قرن من الهجرة، ص 297.

7. لمزيد من التفاصيل عن الوجود المارونيّ في استراليا راجع: موسوعة الهجرة اللبنانيّة إلى استراليا – الكتاب الأوّل، للدكتور طنوس نعوم عون، ص 269 إلى 331.

8. راجع: دراسة بقلم بيرسي كامب في كتاب اللبنانيّون في العالم، قرن من الهجرة، ص 693، مطلع المقطع الثاني.

9. راجع: “اللجنة الأسقفية للانتشار اللبناني في العالم”، يوم الانتشار العالمي، أيّار 1995 (جونيه)، “المغتربون اللبنانيون والجنسيّة اللبنانيّة“، نعمة الله أبي نصر. اللجنة الأسقفية للانتشار، مقرّرات المؤتمر السنوي الثالث، تمّوز 1996، “الانتشار اللبناني وطاقاته“، “الجنسيّة اللبنانيّة“، د. ضومط سلامه.

10. المطران عبده خليفة، “كيف نحيي في بلاد الاغتراب تراثنا الديني“، المؤتمر المارونيّ العالميّ الأوّل، الكسليك، 23 ـ 28 شباط 1979، منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الاعلام، 1979 ص 19 ـ 36.

11. راجع: الرابطة المارونيّة، “خطّة عمل للانتشار“، 30/5/2002، الملاحق 1 ـ 7.

الرابطة المارونيّة “برنامج شهر العودة الى الجذور“، 6/7/2002 ـ 28/7/2002.

12. راجع: مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق 148 بند 3، وقانون 177.