مزار حمل الله

 كان جبل الصليب أرضاً خاوية خالية، أرضاً مليئة بالشوك والقندول والوزال، يعلوه صليبٌ غرسه أبونا يعقوب سنة 1932. كان هذا الصليب الشاهد الوحيد على الكثير من المآسي والحروب واحتلالات الجيوش الغريبة وممارسات الميليشيات. كان يقصده القليل من المؤمنين والكثير من الخطأة الباحثين عن أماكن مظلمة يشربون فيها ويسكرون… الى أن بدأت القصة في عيد الميلاد 2006.

 كنت أتأمل في حضور القربان المقدّس حين شعرت بنار في قلبي تدفعني لأصعد الى جبل الصليب وأجد مكاناً للصلاة في الطبيعة، أجمع فيه كل الناس جالباً الى المكان بقرة وحماراً وخروفين على غرار المغارة التي ولد فيها المسيح المخلّص وأضع القربان المقدّس في مذود فتكون أجمل سهرة روحية في الطبيعة. فذهبت الى قمة الجبل ووقفت تحت الصليب الجبّار وقلت في نفسي: “آه، لو تسنّى لي أن أنصب في المكان خيمة أجمع فيها المؤمنين في عيد الميلاد 2007.” ولكن الأرض ليست لنا. فسألت أصحاب الأرض، فقيل لي: “سنفكّر في الموضوع.” وعلمت أنّ الموضوع انتهى.

 وفي 2 كانون الثاني 2007، ذهبت الى البلدية وقلت لهم: “أريد أن أعلم ماذا تملك سيدة التلة من أراضٍ.” وبعد حصولي على خرائط عقارات سيدة التلة، اكتشفت اكتشافاً رائعاً: أنطوش سيدة التلة يملك عقارين كبيرين على جبل الصليب. فابتهجت من الفرح. وأسرعت أنا والسيّد ج ن لإكتشاف العقارين. فدخلنا غابة مليئة بالشوك والوزال. وبدأت الرؤية تتوضح: طريق عليها مراحل مثل مراحل درب الصليب تصل الى “المغارة” ولكن أين موقع “المغارة”؟

 في 9 كانون الثاني 2007، طلبت من السيّد ج ن والمهندس ع ب التوغل في العقار وتحديد موقع المغارة. ذهبنا كل واحد في اتجاه وصعدت تلة صغيرة مليئة بالشوك وإذا بي أكتشف صخراً طبيعياً رائع المنظر مخفياً وراء الأشواك، فقلت في نفسي: “هذا هو المكان.” وناديت بأعلى صوتي: “وجدت المكان. وجدته.”

– “أين أنت؟”

– “أنا هنا. تعاليا وانظرا.”

وحين نظرا الى الصخر قالا: “هذا هو المكان.”
فاستقدمنا الحفارة (JCB) أزالت التلة مع الأشواك فأصبح عندنا ساحة كبيرة.

 وصلت الأخبار الى السلطات العليا أن “لا نعرف ماذا يفعل هذا الراهب على هذا الجبل. إذهبوا إليه

وأوقفوه.” ووصل أحد الآباء من قبل السلطة وضرب يده على رأسه قائلاً: “ماذا تفعل؟”

قلت: “أريد أن أبني مغارة للميلاد أجمع فيها كل الناس.”

قال: “هذا مشروع ضخم. سيكلفك أكثر من 50،000 $”

قلت: “أرجوكم أن تعطوني البركة ودعوني أعمل.”

قال: “ممنوع أخذ ليرة من الدير أو من مصروفك الشخصي. لا نستطيع احتمال مشاريع كهذه. ممنوع الشغل بالدَّين، وممنوع الدعايات.”

قلت: “حسناً، لن أستعمل مال الدير ولن أشتغل بالدين ولن أعمل دعايات. كل شيء ترسله العذراء الى هذا المكان أضعه هنا. وإذا لم ترسل لي العذراء شيئاً، لن أعمل شيئاً.”

قال: “حسناً، إعمل بصمت.”  

 تسليم المشروع للعذراء:

دخلت مزار سيدة التلة العجائبية وسجدت أمام صورة العذراء مصلّياً: “لا أقدر على هذا المشروع. كيف أبدأ؟ إن كنت تريدينه فاهتمي أنتِ به.” ثمّ دخلت الكنيسة وأقمت الذبيحة الإلهية، وبعد القداس رأيت رقم هاتف صديق قديم من جبل لبنان الشمالي على هاتفي الخليوي. فاتصلت به.

– “أبونا، ماذا تفعل في هذه الأيام؟”

– “أريد بناء مغارة على الجبل ولكنني لا أعلم من أين أبدأ. أحتاج الى بحص. شاحنة البحص تكلّف 250 دولاراً.”

– “عندي ورشة وأستطيع أن أرسل اليك البحص مجاناً.”

– “ماذا تقول؟ أين أجد بوبكات بسعر رخيص. أريد شقّ طريق المراحل.”

– “أنا عندي بوبكات وأستطيع أن أرسلها الى دير القمر مجاناً.”

فلم أصدّق ذلك من شدة الفرح. وعلمت أنّ العذراء مريم تقف الى جانب هذا المشروع.

  قوة كلمة الله:

وصل صديقي مع البوبكات ومعه عامل أجنبي اسمه أحمد، عمره 35 سنة وأب لثمانية أولاد فقال لي: “سأترك لك أحمد حتى تنتهي من العمل. لا تهتمّ بأي شيء. فقط دبّر للعامل غرفة للمنامة.” وعاد أدراجه. وبدأ أحمد في ترتيب الساحة وشقّ الطريق. وفي نهاية النهار نظر إليّ وقال: “إرتحت إليك.”

فسألته: “لم أتكلَّم معك ولست تعرفني فكيف ارتحت إليّ؟”

قال: “لا أعرف كيف ولكنني مرتاح معك.”

وهنا فتح أحمد قلبه وأخبرني عن إختبار جرى معه منذ ثلاث سنوات. قال:

“كنت أعمل على البوبكات على إزالة الركام من باحة أحد الأديرة. فلمحت كتاباً بين الردم. أطفأت البوبكات ونزلت منها وتوجهت صوب كومة الردم. أخذت الكتاب. نفضت عنه الغبار وفتحته. قرأت منه مقطعاً فشعرت بقوة دخلت جسمي. ومنذ ذلك الحين تحرّرت من رذيلة كنت غارقاً فيها.”

فسألته: “وما هو هذا الكتاب؟”

قال: “الإنجيل.”

قلت: “معي إنجيل في السيارة. أتريد أن تقرأ مقطعاً منه؟”

قال: “نعم.”

قلت: “حسناً، خذ الكتاب، أغمض عينيك وصلِّ أولاً ثم افتحه وأنا أقرأ لك.”

فصلى وفتح الكتاب المقدس عند مقطع من رسالة مار بولس للكورنثيين.

فقرأت: “فإذا كان أحدٌ في المسيح، فإنه خلقٌ جديد. قد زالت الأشياء القديمة وها قد جاءت أشياء جديدة. وهذا كله من الله الذي صالحنا بالمسيح وأعطانا خدمة المصالحة، ذلك بأن الله كان في المسيح مصالحاً للعالم وغير محاسب لهم على زلاتهم، ومستودعاً إيانا كلمة المصالحة” (2قور 5: 17- 19). كنت أقرأ هذا وأجهش أحمد في البكاء. وبطريقة عفوية اعترف بجميع الخطايا التي اقترفها في حياته. تركت هذا الرجل محرراً من خطاياه القديمة وعدت الى الكنيسة.

وكان مساء وكان صباح: يومٌ أول.

قوة الإعتراف:

في اليوم الثاني أخذت أحمد من شقته الى المشروع وكان صامتاً. اقترب مني وقال:

“لقد مرت ساعتان وأنا متردد، هل أتحدّث معك أم لا؟”

قلت: “ما بك يا أحمد؟”

قال: “أمس وبعد أن تركتني، جاءني شخص في الحلم يشع بالنور.”

قلت: “شخص؟ من هو هذا الشخص؟”

قال: “لا أعرف. لم أستطع النظر في وجهه لشدة النور. ولكنني رأيت صندله له شريطة ولونه عسلي. ما إن وضع رجله على سريري حتى ربطني بقوة.”

قلت: “ربطك؟ وهل هذا كابوس؟”

قال: “لا. كانت أجمل ليلة في حياتي. كان هناك سلام عظيم. كان صوته مثل الرعد، مثل الصدى، مثل النسيم العذب.”

يا إلهي هذه تعابير بيبلية: الرعد والصدى والنسيم العذب، هكذا اختبر الأنبياء حضور الله. ففهمت أنّ الرب يسوع خاطبه في الحلم. ولكنني لم أقل له ذلك بل سألته:
“وماذا قال لك؟”

قال: “سألني سؤالاً. قال لماذا فتحت قلبك؟ أجبته: لأنني إرتحت إليه. قال: هذه الخطايا التي ذكرتها لا تقلها لأحد. إبقَ معه وافعل كل ما يقوله لك. ولا تجادله.”

دمعت عيناي حين سمعت إختبار هذا الرجل وقلت له: “اليوم عندنا سهرة إنجيلية في دير القمر أتحب مشاركتنا؟”

فقال: “نعم، بالتأكيد.”

فذهب مع فريق العمل الرسولي الى السهرة الإنجيلية وجادلهم سائلاً: “لماذا تتحدثون عن يسوع أكثر من الله؟”

فقلت له: “أحمد، لا تجادل. خذ الكتاب المقدّس والله يجيبك.”

أخذ أحمد الكتاب المقدّس وفتحه عند يوحنا 1: 1: “في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله.”

يعني المسيح هو إله. فشعر بصدمة كبيرة ثم قال: “من الآن فصاعداً أريد أن أضع في أولوية حياتي السيد المسيح.”

وكان مساء وكان صباح: يومٌ ثانٍ.

 

قوة القربان:

في اليوم الثالث اشتغل أحمد كل النهار في المزار وفي المساء سألته: “هل شاهدت يوماً فيلم المسيح؟”

قال: “لا.”

قلت: “أتريد أن تشاهده؟”

قال: “لا مانع لديّ.”

فأخذته الى صالون الرعية الكبير وهناك شاهدنا فيلم The Passion of the Christ لميل غيبسون. وفيما كنا نشاهده استوقف أحمد مشهد يسوع في بستان الزيتون يدوس الحية فقال بأعلى صوته: “أعد المشهد، أعده، أريد أن أرى.”

قلت: “ماذا تريد أن ترى؟”

قال: “أريد أن أرى الصندل.”

فأعدت المشهد وقال: “هذا هو الصندل الذي رأيته في الحلم، لونه عسليّ، وله شريطة.”

ففهم أنّ الربّ يسوع هو الذي تراءى له في الحلم.

طبعاً ميل غيبسون لم يختر نفس الصندل الذي كان ينتعله المسيح ولكن المسيح اختار هذه الصورة ليكشف ذاته لهذا الرجل.

وفي نهاية الفيلم قال: “هذه هي الحقيقة ويجب على الجميع أن يعرفها.”

قبل مغادرة الصالون سألته: “أتحبّ أن نزور الكابيلا قبل الذهاب الى الشقة؟”

قال: “نعم.”

ولم أخبره شيئاً عن ماهية الكابيلا وعن حضور المسيح الحي في سرّ القربان. كنت متأكداً أنّ الرب الحاضر في سرّ القربان سيلمس قلب أي إنسان طاهر، يسعى الى الحقيقة. فدخلنا الكابيلا وجلسنا قرب بيت القربان. وبعد لحظات، فاجأني أحمد حين أخذ يدي اليمنى ووضعها على قلبه. كان قلبه ينبض بسرعة كبيرة وقوية.

سألته: “ما بك؟”

قال: “منذ دخلت هذا المكان وأنا أشعر بارتعاش كبير وكأنّ شخصاً يضع يده على كتفي.”

قلت: “صلِّ.”

وبعد لحظات أخرى سألني وهو يرتجف: “أرأيت ما رأيت؟”

قلت: “ماذا رأيت؟”

قال وهو مضطرب: “أخبرك فيما بعد.”

قلت: “أطلب الآن ما تريد والرب سيحققه لك.”

صلينا قليلاً ثمّ غادرنا الكابيلا. في الطريق سألته: “ماذا رأيت يا أحمد في هذا المكان؟”

قال: “رأيت نوراً خرج من تلك العلبة[1] واتجه يساراً ثمّ يميناً ودخل قلبي بسرعة البرق.”

لم أفهم لماذا كان على النور أن يتجه يساراً ثمّ يميناً.

قلت متسائلاً: “أتعلم الى أين أخذتك؟”

قال: “لا. مكان مقدّس؟ منذ لحظة دخولي ذلك المكان[2] شعرت أنّ مبدأ كل شيء موجود هنا[3].”

هنا بدأ أحمد يتكلم باللاهوت إذ بعد يومين من هذه الحادثة أصدر البابا بنديكتوس Sacramentum Caritatis  يتحدّث فيه عن الإفخارستيا قمة كل شيء في المسيحية.

قلت: “نعم، مبدأ كل شيء موجود هنا.”

وشرحت له العشاء الأخير الذي أقامه يسوع مع تلاميذه وكيف أعطانا جسده ودمه لمغفرة خطايانا وللحياة الأبدية وكيف هو حاضر في سر القربان.

قال: “أهذا يعني أن المسيح كان حاضراً؟”

قلت: “نعم.”

قال: “يا إلهي، هناك أموراً كثيرة تحدث معي هنا في دير القمر منذ مجيئي.”

“لا تخف، إنّ الرب يكشف لك عن ذاته.”

وكان مساء وكان صباح: يومٌ ثالث.

 أحمد يشهد بلاهوت المسيح عند موقع المزار:

في اليوم الخامس، ذهبت مع أحمد الى المشروع ودار حديث بيننا في المكان الذي أقيم فيه فيما بعد مزار العذراء. قال: “أبونا، هناك خيط[4] لست تعطيني إياه.”

قلت: “أحمد، هذا الخيط أعرفه ولكنني لن أعطيك إياه. عليك أن تكتشفه بنفسك.”

ولكي أسهل الأمور أخبرته قصة فتاة غير مسيحية تعرفت إليها في الولايات المتحدة إلتقت يسوع وقررت أن تتعمّد. وبعد قبولها سرّ العماد، ذهبت الى أهلها ولم تستطع النوم بسبب شعورها بحضور مظلم في البيت. فذهبت من غرفة الى غرفة ترسم إشارة الصليب قائلة: “باسم المسيح أخرج من هنا.”

فقاطعني أحمد قائلاً: “كيف؟ كيف؟ أرسم هذه الإشارة مرة أخرى.”

فرسمت إشارة الصليب، فقال: “هذه هي العلامة التي رأيتها ليلة الجمعة في الكابيلا. النور خرج من العلبة (بيت القربان) بشكل صليب ودخل قلبي.”

فدهشت لذلك وفهمت لماذا اتجه النور يساراً ثمّ يميناً فقلت: “أحمد، أنت هنا في دير القمر منذ خمسة أيام والمسيح يتدخل في حياتك بقوة كبيرة، من تقول يسوع المسيح هو؟”

صمت برهة ونظر الى السماء قائلاً: “كنت أعتبره نبيّاً، وأمّا الآن فأعتبره ربّ العالمين.”

قال ذلك في المكان الذي بني فيما بعد مزار العذراء.

وكان مساء وكان صباح: يومٌ خامس.

وانتهى أحمد في اليوم السابع من عمله في المزار، وكنت متأكداً أن الله انتهى أيضاً من عمله الذي عمله في حياة هذا الرجل.

 

أحمد يبشّر أولاده:

رحل أحمد عن دير القمر وحياته مقلوبة رأساً على عقب. لم يعد يأكل أو يشرب أو يختلط بالناس. جميع الأسس التي بنى عليها حياته بدأت تتزعزع. وبدأ في قراءة الكتاب المقدس. فلاحظ أحد أصدقائه ذلك، فاغتاظ منه وهجم على أحمد وضربه بالسكين.
ذهب أحمد ليرى الطبيب فقال له: “ميلليمتر وكادت يدك تشلّ. الربّ خلّصك.”

سامح أحمد المعتدي، وغفر له واتصل بي قبل السفر الى وطنه الأم وأخبرني بما جرى له.
فقلت له: “لا تتحمّس يا أحمد. كن حذراً.” قال: “أنا مستعد للموت في سبيل الربّ.”

قلت: “لا، انّ الربّ اختارك لرسالة عظيمة. فكن حذراً.” قال: “حسناً.”

سافر أحمد الى وطنه وجمع أولاده الثمانية وقال لهم: “أريد أن أخبركم قصة. هل سمعتم شيئاً عن يسوع؟”

قالوا: “لا. من هو يسوع؟” قال: “اسمه عيسى في القرآن.” قالوا: “نعم، عيسى نبي.”

قال: “لا، يسوع هو ابن الله. جاء الى العالم. تألّم وصلب ومات ثم قام في اليوم الثالث وأعطانا جسده ودمه. فعل كل ذلك ليغفر خطايانا ويعطينا الحياة الأبدية.”

فقاطعه ابنه البكر محمد قائلاً: “استغفر الله يا بوي. المسيح لم يُصلب.”

فصرخ أحمد وقال: “محمد، هذه هي الحقيقة يا محمد. هذه هي الحقيقة. حسناً، غداً لن تذهبوا الى المدرسة. ستبقون في البيت. أريد أن أحضر فيلم المسيح لتشاهدوه.”

وفي الصباح الباكر، ذهب أحمد الى أقرب ضيعة مسيحية ودخل محل الأفلام قائلاً: “أعطني كل ما عندك من أفلام عن الرب يسوع.”

تفاجأ صاحب المحلّ المسيحي قائلاً: “إنني هنا منذ أربعين سنة ولم أسمع قط شخصاً غير مسيحي يقول عن يسوع أنّه ربّ. أنا أقولها مرة في الأسبوع يوم الأحد.”

قال: “أنت تقولها مرة في الأسبوع لأنك غارق في الماديات. يجب أن تقولها كل يوم.”

وهكذا أخذ أحمد أفلام Jesus of Nazareth وشاهدها مع أولاده الذين آمنوا وحزنوا لأن هذه الحقيقة مخفية عنهم.

وبعد انتهاء الفيلم، اتصل بي أحمد وقال لي: “أولادي يريدون التحدّث اليك.”

“ماذا؟” قلت. وبدأ الأولاد يتحدثون معي: “أبونا، نحن نحبك.”

قلت: “ماذا فعلت بأولادك يا أحمد.” قال: “أخبرك فيما بعد. لن أتحدّث بذلك عبر الهاتف.”

قلت: “متى ستعود الى لبنان؟” قال: “صراحةً أبونا، لم يبق معي ليرة واحدة. لا أستطيع التحرّك.”

قلت: “لا تقلق، صلِّ والرب سيدبر لك كل شيء.”

وفي اليوم التالي زاره أحد الأصدقاء القدامى وترك مبلغاً من المال في جيب الصبي ابن أحمد. ثم رحل. وعندما اكتشف أحمد المال، أخذه بيده وجمع أولاده وهتف قائلاً: “أرأيتم عناية الله؟ أرأيتم الرب يسوع.”

ثم بدل أن يستدير نحو مدينتهم المقدسة، استدار نحو دير القمر وسجد شاكراً الله.

 قرار أحمد الحرّ:

وعاد أحمد الى لبنان وأخبرني بكل تلك الأمور. ثمّ صمت برهة والتفت اليّ قائلاً: “صحيح أنني وجدت المسيح وانني علمت انه ابن الله ورب العالمين ولكن هناك شيئاً ينقصني. ما الذي ينقصني؟” قلت: “حسناً، سأوقف السيارة وأقول لك ما ينقصك.”

أوقفت السيارة ودخلنا كنيسة صغيرة وفي يدي الكتاب المقدّس. فقرأت له من أعمال الرسل، عظة بطرس بعد العنصرة: قال بطرس للجموع: “فليعلم يقيناً بيت إسرائيل أجمع أنّ يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم قد جعله الله رباً ومسيحاً.” فلما سمعوا ذلك الكلام، تفطّرت قلوبهم، فقالوا لبطرس ولسائر الرسل: “ماذا نعمل، أيها الإخوة؟” فقال لهم بطرس: “توبوا، وليعتمد كل منكم باسم يسوع المسيح، لغفران خطاياكم، فتنالوا عطية الروح القدس.” (أعمال الرسل 2: 36-38).

فقال أحمد: “هذا ما ينقصني. ماذا أفعل لأصبح مسيحياً؟”

قلت: “أولاً التعليم، ثمّ…” فقال: “التعليم، التعليم.” قلت: “ماذا؟”

قال: “هذه الكلمة في قلبي منذ ثلاثة أسابيع ولا أفهم معناها.”
حينئذٍ فهمت أنّ الروح القدس يعمل بقوة في قلبه، فسألته: “متى تريد أن تبدأ؟”

وهكذا قرّر أحمد في 18 نيسان 2007 اتباع المسيح. فاقتبل اسرار العماد والتثبيت والإفخارستيا[5] في 1 شباط 2008 وكانت سماكة الثلوج نصف متر في مزار حمل الله.

وأصبح أحمد من أبناء الكنيسة المقدسة.

وهذا أول ارتداد حصل في هذا المكان الذي اختارته العذراء مريم، إرتداد لا يقوم على غسل الدماغ أو التخويف ولا على الحكمة البشرية أو الإغراء المادي إنما يقوم على علامات قوية من الرب وعلى قوة الروح القدس. والله عجيب في أعماله.  

 الهدف من هذه القصة:

هذه القصة لا تهدف الى استثارة أي جماعة دينية أو ثقافية، فالديانات والثقافات المختلفة هي محط احترامنا ومحبتنا ولكن الهدف هو إحياء الإيمان المسيحي بأن الربّ يسوع يكلمنا اليوم بقوة من خلال الكتاب المقدّس[6]  ويكشف لنا إرادته ووجهه القدوس بعد الإعتراف بالخطايا[7] وينتظرنا ويباركنا كل مرة نزوره في القربان المقدّس[8]، تماماً كما حصل مع أحمد.

 بناء المزار والتدشين

أرسلت العذراء المعونات من كل حدب وصوب. فتمّ بناء مراحل درب ملء الحياة وكابيلا حمل الله ومزار العذراء. وبارك الربّ كل من ساهم و تعب في هذا المشروع من مساهمين ومتطوعين وداعمين أقدّر تعبهم ومحبتهم. وكان كل من قدّم من قلبه كان يعود ليخبرني عن نِعم عظيمة نالها من الربّ. وكل من قدّم لأجل غاية في نفسه كانت العذراء تعيده أدراجه مع تقدمته. ولو كتبت جميع القصص لكنا احتجنا الى موسوعة كبيرة.

 حاولت طلب المساعدة المادية من بعض الأشخاص، وكنت أسمع وعوداً كثيرة، ولكنني لم أتوفق لأنّ العذراء لم تشأ أن أطلب المال من أحد بل كانت تريدني فقط أن أصلي وأن أتحدّث عن عجائب الرب وأعماله العظيمة، “والباقي على الله” الذي كان يحرِّك القلوب ويدفع الناس للمساعدة. وهكذا كانت المساعدات تأتيني من أماكن عديدة، وأشخاص لم أتوقّع منهم ذلك.

في 27 حزيران 2007 أقرّت الرهبانية هذا المشروع وأطلقت عليه إسم “مزار حمل الله”. واللافت أنّ هذا الإسم موجود في قلبي ولكن السلطة الرهبانية قالته.

في 18 آب 2007 وصلني الإذن الخطي ببناء المزار من مطرانية صيدا للموارنة.

وفي 12 أيلول 2007، قمنا بمسيرة في درب ملء الحياة ومن ثمّ تكريس كابيلا حمل الله على يد سيادة المطران الياس نصار السامي الإحترام. وكان الحضور يزيد على الخمسمائة شخص.

 حرب الشرير

1- بعد أن أخبرت قصة أحمد لأبناء رعيتنا، إشتعلت في القلوب الحماسة للرسالة. وقالوا في أنفسهم: “ماذا نفعل في هذا الوطن، نتبع هذا الزعيم أو ذاك ونتقاتل في السياسة ناسين رسالتنا المسيحية في هذا الشرق؟ رسالتنا هي أن نحمل نور العالم الى الشعوب المتعطّشة.”

وفي الليل، كنت ألقي رأسي على الوسادة لأنام، فجاءني فكرٌ شيطاني هادىء يقول لي:

“أبونا، توقّف عن إخبار الناس قصصاً حقيقية. لن يفهموها. دع هذه القصص لك وحدك. قد يتهمك البعض بالترويج لنفسك أو بأنك تدّعي القداسة.” فاضطربت لسماع ذلك. وكدت أصدّقه. فأخذت الكتاب المقدّس وصلّيت: “أيها الربّ يسوع أنت تعرف ضعفي وأنا أعرف خطيئتي، حدّثني أنت، ولا يحدّثني أحد غيرك حتى ولو كانت أفكاري بالذات.” وفتحت الكتاب المقدّس فجاءني مقطع من أعمال الرسل 21: 18-19: “وفي الغد دخل بولس معنا على يعقوب، وكان الشيوخ كلهم حاضرين. فسلّم عليهم بولس وأخذ يروي لهم بالتفصيل كلّ ما أجرى الله على يده بين سائر الشعوب.”

فامتلأت فرحاً وسلاماً عند قراءتي هذا النصّ لأن يسوع يريدني أن أتحدّث بالتفصيل.

 2- فقمت من فراشي وأدرت الكمبيوتر. كتبت القصة بأكملها وأردت نشرها عبر موقعي الإلكتروني. وما ان ضغطت زر النشر حتى أصيب الكمبيوتر بفيروس خرّب الموقع بالكامل. “يا ربّ، ماذا يحصل؟” قلت في نفسي. لم أفهم شيئاً. لحسن الحظّ أنّ الموقع محفوظ على كمبيوتر صغير منذ ستة أشهر. فعملت أسبوعاً كاملاً أعيد المعلومات التي فقدتها. ولم أجرؤ على نشر القصة على الإنترنت، إذ شعرت أن المسألة خطيرة.

 3- افتتحنا المزار في 12 أيلول 2007، وكانت العذراء قد أرسلت المذبح والتمثال والحجارة وصلت من أوروبا في حقائب المسافرين. كل شيء ترونه في المزار قدّمته العذراء. لم آخذ ليرة من جيبي أو من الدير. لم أشتغل بالدين ولم أعمل دعايات. بعد التدشين سافرت الى الولايات المتحدة الأميركية وهناك أخبرت الأميركيين عبر عظاتي هذه القصة. فدبّت الحماسة في القلوب وقالوا: “هذا ما نريد سماعه.” فدعوني الى بيوتهم ومدارسهم وكنائسهم لأقصّها لهم.

وفي 2 تشرين الأول 2007، كنت أخبر جمعاً كبيراً وكان أحد المسؤولين عن البرامج في الراديو والتلفزيون حاضراً. فأخذني جانباً وطلب مني بإلحاح إخبار القصة على الراديو والتلفزيون الكاثوليكيين في أميركا. فقلت: “أصبروا عليّ قليلاً.”

قال: “يجب أن تخبرها مهما كان الثمن.”
قلت: “حسناً، متى تريدني أن أخبرها في الراديو؟”

قال: “هل تستطيع أن تذهب الى الراديو غداً الأربعاء؟”

قلت: “حسناً.” وسجلت الموعد على مفكرتي.

قال: “هل تستطيع أن تذهب الى التلفزيون بعد غد الخميس؟”

قلت: “حسناً.” 
وما إن دوّنت المواعيد على مفكرتي ودخلت المكتب، حتى جاءني اتصال:

“أبونا، دير القمر محاصرة بالنار من كل جهة.”

– “ماذا؟” سألت متفاجئاً “ماذا يحصل؟”

– “إنّ أبواب جهنم مفتوحة علينا. ألسنة النيران تعلو 17 متراً وهي تمرّ بين المنازل وتحرق الجبل بأكمله.”

 خفت. لا أعلم من سبّب الحريق ولكنني فهمت رسالة الشيطان: “إذا تابعت الحديث عن هذه القصة، سأحرق دير القمر وسأحرق مزار حمل الله.”

واحترت الليل بأكمله: “هل أذهب غداً الى الراديو أم لا؟ هل أخبر القصة في التلفزيون أم لا؟”

فقصدت إحدى الراهبات القديسات وأخبرتها عن كل شيء، فقالت:

“هذه علامة على أن هذه القصة يجب أن تصل الى الجميع. يمارس الشيطان الإرهاب بأفكاره وأعماله لكي لا نتحدّث عن عمل الله في حياتنا وحياة الآخرين، يريد إسكات البشارة وبالتالي إضعاف الإيمان لأنه عندما نخبر الآخرين ماذا يفعل الربّ في حياتنا وحياة الآخرين يتقوّى الإيمان في النفوس، فالإيمان يأتي من السماع.”

فهمت وذهبت الى الراديو والتلفزيون وأخبرت القصة للملايين من البشر.

هذه هي البشارة الجديدة، أن يخبر كل مسيحي الآخرين عن عمل الله في حياته وحياة الآخرين من دون خوف من الكبرياء (إنت عامل حالك قديس. إنت عم بتروّج لنفسك) أو تراجع أمام أفكار الشرير وأعماله الترهيبية.

 في 2 تشرين الأول 2007، كانت ألسنة النار ترتفع عالياً في دير القمر والناس في رعب وذهول. فمرّت النيران بين المنازل دون أن تصيب أحداً بأذى وأحرقت جبل الصليب بأكمله. وبعد هدوء العاصفة، تفقّد الناس مزار حمل الله فكانت تلك المفاجأة التي جعلت هؤلاء الناس يبكون من شدّة التأثر: شجرتا الكابيلا والشجرة التي تظلّل هامة العذراء وشجرة الصليب الأزرق، كلها بقيت ترفل بحللها الخضراء. وأما ما سوى ذلك فتحوّل الى رمادٍ أو امتدّت اليه ألسنة النيران فشوّهته. كذلك أكياس الشموع التي تزنّر المكان بقيت بالتالي سالمة. وهكذا شعر الديريّون أنّ العذراء وحدها التي حمت المكان ومنعت يد الشرّ من أن تمتدّ إليه. فكانت هذه علامة قوية من السماء تطمأن الجميع أنّ العذراء وابنها حمل الله حاضران معنا.

مغارة حمل الله

 عدت من الولايات المتحدة قائلاً: “لن نسكت أمام هذا الشرّ.” فقمنا بحملة تشجير لجبل الصليب في شهر تشرين الثاني 2007. وتهافت أهالي دير القمر ومحبيها قائلين: “أبونا، هذه خمسة دولارات ثمن شجرة.” “هذه عشرة دولارات ثمن شجرتين.” فجمعنا 2100 شجرة، زرعناها على جبل الصليب.

 في خلال التشجير، وبينما كنا نحفر لتمرير شلال مياه من الجبل الى ساحة المزار عن يمين الكابيلا، زال التراب وتراءى لنا شيء تحته.

– “ما هذا؟” سألت العامل.

– “إنه صخر.”

استقدمنا الحفارة (JCB)  وأزلنا التراب فبان صخر جميل. فالصخر الذي ترونه في المغارة وخارجها كان مغطى بالتراب، مخفياً.

وفي آخر يوم تشجير في 17 تشرين الثاني 2007، قبل 40 يوماً من السهرة الميلادية، قامت الآلة بكشف الصخر المغطى بالتراب حتى بلغنا مستوى الساحة. وقبل أن يذهب صاحب الآلة وكانت الساعة الرابعة والنصف مساءً، قلت له: “أحفر قليلاً بموازاة الصخر قبل أن تذهب. أريد أن أعلم أين ينتهي الصخر هذا.”

فحفر مترين ونصف في باطن الأرض وتصاعد الدخان.

– “ما هذا؟” قلت.

– “إنها صخرة.”

– “أحِد عنها.”

فأحاد عنها وتصاعد الدخان مرة ثانية.

– “ما هذا؟” تساءلت.

– “يبدو أنها بلاطة صخرية ضخمة بحجم غرفة أو غرفتين.”

– “أفرغها من التراب.”

 

وفيما كانت الآلة تعمل حتى منتصف الليل، كنت أتساءل: “يا ربّ، ما معنى هذا؟”

وفهمت أخيراً أن المغارة التي نحلم بها هي هنا.

فاتصلت بالأصدقاء والمهندسين: “تعو شوفو شو اكتشفنا.”

فأتوا مسرعين وكان الجميع في حالة ذهول وفرح. وأما الشخص الذي حفر بالآلة وهو غير مسيحي، فحين رأى البلاطة الصخرية نظر اليّ وقال: “أنت نبيّ.” هذا القول ذكّرني بردّات فعل الوثنيين تجاه مار بطرس ومار بولس حين كانوا يعاينون عمل الله من خلال الرسل. 

 استشرت المهندس ط ي وشرح لي الكلفة الباهظة والحاجة لجسور من حديد للبناء. فقلت في نفسي: “يا عذراء، أنت تعلمين أنه ممنوع أخذ ليرة من جيبي أو من الدير، ممنوع العمل بالدّين وممنوع الدعايات ولم يبق لنا سوى 37 يوماً لحلول عيد الميلاد. ساعدينا لنؤمّن ثمن جسور الحديد.”

وبعد يومين، في 19 تشرين الثاني 2007، كنت أزور عائلة في دير القمر. وعندما خرجت الى السيارة وجدت إطارها مثقوباً. فاتصلت بصديق ليساعدني. وفيما كنت أنتظره، وقفت عند حافة تطل على الوادي. وكنت قلقاً أفكر بالجسور وكيفية تأمينها وأصلّي. وكانت الساعة الثامنة والنصف مساء. نظرت الى الأرض، ويا للوهلة، وجدت نفسي واقفاً على جسر حديد طويل وقربه ثلاثة جسور أخرى. فخفت خوفاً شديداً. وأسرعت أسأل العائلة التي أزورها عن قصة هذه الجسور، فقالوا: “أبونا، هذه الجسور مرمية منذ مدة من الزمن ولسنا بحاجة إليها. نقدّمها للعذراء.”

بعد أيام قليلة وصلت الجسور الى المزار ووصلني جسور أخرى في 8 كانون الأول 2007 من عائلة أخرى. وبدأت العذراء ترسل الدعم المادي فصُبّ السقف في 21 كانون الأول 2007 وأصبحت المغارة جاهزة في عيد الميلاد.

 إستقدمنا حماراً وبقرة وخروفين ووضعنا القربان المقدّس في المذود وكانت أجمل سهرة صلاة نعيشها في مزار حمل الله، وكان الحضور يزيد عن الثلاثمائة شخص في 27 و28 كانون الأول 2007. جاؤوا كالرعاة مسرعين وكالمجوس ساجدين. وكل من سهر مع الربّ في هاتين الليلتين في مغارة حمل الله ذهب يمجّد الله ويسبّحه على كل ما سمع ورأى حافظاً جميع هذه الأمور يتأملها في قلبه. هذه هي قصة مزار حمل الله.

 شفاءات جسدية وروحية

فاجأني قدوم مجموعات كثيرة من المؤمنين من عدة مناطق لبنانية الى مزار حمل الله في أوائل عام 2008. فتحرّيت عن الموضوع وفهمت أن امرأة من بيروت كانت تعاني من دملة كبيرة في رجلها، طلب منها الطبيب إجراء عملية لإستئصالها فوراً، جاءت الى المزار في شهر تشرين الثاني 2007 وصلّت قرب العذراء في مزار حمل الله وفي الليلة ذاتها إختفت الدملة من رجلها. فأخذت المرأة تجول في المناطق الساحلية اللبنانية تخبر الجميع عن مزار حمل الله. ومنذ ذلك الوقت والجموع تتوافد الى جبل الصليب في دير القمر.

 قصة المذبح

في 2 نيسان 2007 سألني أحد الديريين أن أذهب معه الى جزين الى معمل بلاط. فقلت: “لنذهب. لم أزر جزين قط في حياتي.” فذهبت معه ووصلنا الى معمل البلاط ورأيت صاحب المعمل هناك قرب مذبح كبير يشتغل فيه.

فسألته: “كم يكلّف هذا المذبح؟”

قال: “صراحة أبونا، لم أحسب التكاليف. هذا نذر وأريد أن أنهيه بسرعة.”

غادرنا المعمل متوجّهين الى معمل آخر. وفي طريقنا قلت بصوت عالٍ: “يا ريت هناك شخص عنده نذر يقدّم لنا مذبح للمزار.” ثم نظرت الى السماء وقلت: “يا عذراء، ألا يوجد شخص عنده نذر يقدم لنا مذبحاً؟”

وصلنا الى المعمل الثاني. اشترى صديقي بضاعته. ثم تمشينا خارج المعمل. فنظر اليّ صاحب المعمل وسألني: “وأنت يا أبونا، ماذا تطلب؟”

وصادف مرورنا قرب مذبح فسألته: “كم يكلّف مذبح مثل هذا؟” فقال: “أبونا، هذا تقدمة لك؟”

“ماذا تقول؟” طرت عندها فرحاً لأن العذراء استجابت دعائي. ووصلني المذبح في 17 نيسان 2007.

 حجارة المزار

في 11 نيسان 2007 تلقيت دعوة من TL LUMIERE  لزيارة مديغورييه. لم يكن تاريخ هذه الدعوة صدفة بل كانت مدبرة بعناية إلهية ف11 نيسان ليس تاريخاً عادياً بالنسبة اليّ إنما هو تاريخ دعوتي الى الحياة الرهبانية سنة 1993.

فذهبت الى مديغورييه في 1 آيار 2007. وهناك تأملت بمزار ال Statue Blanche  في باحة كنيسة الرعية. وإذا بفكرة جنونية تخطر على بالي: “أريد أن أشتري حجارة المزار من مديغورييه.” وفيما كان المؤمنون يصلّون قرب المزار، كنت أنا أعدّ حجارة المزار وأخطط.

فتحدّثت مع أحد الكرواتيين بالإشارة الى أن فهم عليّ. فأخذني بسيارته الى المنطقة الصناعية في البلدة، الى معمل بلاط وصخور وهناك اخترت هذه الحجارة البيضاء.

أخبرت الفريق اللبناني الذي يحجّ معنا عن رؤيتي. فدبّت الحماسة في القلوب ولم يعد أحد يستطيع إطفاءها: “أبونا، أنا آخذ معي حجر.” “أنا سآخذ حجرين.” “أنا أدفع ثمن الحجارة.” وهكذا اشتريت حجر المزار من مديغورييه وكان عددها 130 حجراً قدّمت ثمنها إحدى السيدات من حملايا. وفي مساء يوم الأحد 7 آيار 130 حجراً دخلت حقائب 75 لبنانياً. وطارت الطائرة في 8 آيار 2007 من أوروبا الى لبنان محملة بحجارة المزار.

وفي الأسبوع التالي، بدأت الحجارة تصل الى دير القمر حتى اكتمل عددها. وانتهى بناء المزار في 28 آيار 2007.

 الصليب الأزرق

فيما كنت عائدا من مديغورييه بالطائرة في 8 آيار 2007، فكّرت بالصليب الأزرق المغروس بالباطون قبل حوالى 200 متر من موقع المشروع (مزار حمل الله) على جبل الصليب في دير القمر. فقلت في نفسي: “لو أستطيع أن أنقل هذا الصليب من مكانه وأغرسه قرب المزار. ولكنه مغروس بالباطون، من يستطيع قلعه؟”

وصلت الى لبنان وفي اليوم التالي أخذت العمال للذهاب الى الورشة في موقع المزار. وعندما وصلنا الى مكان الصليب الأزرق، وجدناه مقتلعاً من مكانه منحنيا بكليته نحو الأرض.

فسألت متعجباً: “ماذا حدث للصليب الأزرق؟”

أجابني أحد العمال: “أبونا، في غيابك هبّت عاصفة رياح هوجاء في دير القمر فاقتلعت كل شيء في طريقها. وقد اقتلعت معها الصليب الأزرق.”

قلت: “اجلبوا الصليب فوراً.”

وهكذا أخذنا الصليب الى موقع المزار وغرسناه في 17 آب 2007.

التمثال

في سنة 2003 ذهبت مجموعة أشخاص من دير القمر في زيارة الى مديغورييه وهناك اشترت آنستان تمثالاً للسيدة العذراء المعروف بال Statue Blanche . وبالرغم من العراقيل الكثيرة استطاعتا تمريره عبر المطار وأتيتا به الى لبنان. ومنذ ذلك الوقت حاولتا إيجاد مكان للتمثال فلم تجدا موضعاً له. فقال لهما أحد الرهبان المريميين: “لا تقلقا، العذراء أتت بنفسها الى لبنان وهي ستجد مكانها في الوقت المناسب.”

وبقي التمثال في علبته أربع سنوات الى أن علمت إحداهما بالمشروع الذي أرغب فيه. فاتصلت بي وقالت: “نريد أن نقدّم للمشروع تمثال العذراء.” وهكذا وبعد أربع سنوات، وفي 10 آيار 2007 أخرجنا التمثال من علبته. وفي 14 آب 2007 أخرجناه من المنزل وأخذناه الى موقع المزار حيث وضعناه في المكان الذي اختارته العذراء مريم وسط الصلوات والتسابيح.

حجارة الكابيلا

في 30 نيسان 2007 باشر المعلّم ج س ومعاونه السيّد س ر في بناء الكابيلا من حجر الأرض الطبيعي. ولكن وقبل أن يكتمل بناؤها، انقطعنا من الحجارة. ولم نعد نجد حجراً واحداً. فكان يضطر العامل الذهاب بعيداً ليجلب الحجارة المناسبة. وكان ذلك متعباً جداً. فقلت له: “توقف. لا نستطيع أن نكّمل في هذه الطريقة.” فاتصلت بصاحب الحفارة (JCB)  وقلت له: “أرجوك أن تأتي بسرعة الى هنا.” فقال: “سأكون عندك بعد ساعة.” وأقبل بآلته الضخمة، فقلت له: “إحفر في وسط الساحة.” فحفر حوالى المترين في وسط الساحة وأخرج منها أكثر من 500 حجر. ففرحنا كثيراً. وبذلك استطعنا إكمال بناء الكابيلا. وانتهى بناؤها في 5 تموز 2007.

الأعياد المهمة في مزار حمل الله:

 12 أيلول: عيد مزار حمل الله:
 الخامسة مساء: تقام مسيرة درب ملء الحياة في طريق المراحل.
 السادسة مساء: تقام الذبيحة الإلهية في مزار حمل الله.

 27-28 كانون الأول: فترة عيد الميلاد:
السابعة مساء: تقام سهرة صلاة ميلادية في مغارة حمل الله في حضور القربان المقدّس مع وجود بقرة وحمار وخروفين.
______________________________________________________________________________________

 

صلاة لحمل الله

 

    أيُّها الربّ يسوع، يا حملَ الله،

    نظرتَ إليَّ فأحببتني ودعوتني وأخرجتني،

    رافقتني وطهَّرتني وأعطَيتني وصاياك،

    غفرتَ لي وعلّمتني الكفر بالذات
    وحملِ الصّليب واتّباعك،

    مسحتني وأرسلتني وجعلتني أباً لكثيرين،

    أعطيتني ملء الحياة.

    أهِّلني أن أحمِلَك للآخرين كما حمَلتك العذراء
    مريم للبشرية،

    فيلتقي بك الجميع من خلال الكتاب المقدّس
    والإعتراف بالخطايا وعبادة القربان المقدّس.

    ويبلغون الى ملكوتك السماويّ فنرفع المجد  
    والشكر إليك والى أبيك وروحك القدوس
    الى الأبد. آمين.

مزار حمل الله – جبل الصّليب – دير القمر 

 


[1] العلبة هي بيت القربان. بيت القربان يحوي القربان المقدّس. القربان المقدّس هو المسيح يسوع.

[2] الكابيلا.

[3] من هو مبدأ كل شيء؟ المسيح هو الألف والياء، البداية والنهاية. أحمد شعر بحضور مبدأ كل شيء ولكنه لم يكن يفهم شيئاً.

[4] ما هو الخيط لشخص غير مسيحي؟ هو العماد. يشعر الغير مسيحي أن هناك شيئاً ينقصه ولكنه لا يعلم ما هو.

[5] وضع الشيطان عراقيل عديدة حتى لا يصل أحمد الى العماد: أشخاص لا يعرفهم يضربونه وهو في طريقه ليتلقى التعليم. إنفجار يقع فيمنعه من التجوّل. إبنه يمرض ويصل الى الموت فيذهب ليراه. وحين حددنا 1 شباط يوم العماد، ضربت لبنان عاصفة ثلجية وأقفلت الطرقات أكثر من أسبوع. ولكننا تحدّينا الطبيعة ومشينا الى جبل الصليب حاملين معنا أغراض المعمودية والقداس.                                                

[6] يجب أن نقرأ الكتاب المقدّس لا كما نقرأ الصحف والمجلات، بل بإصغاء وإنتباه.

[7] حين نعترف بخطايانا عند الكاهن – حتى ولو كنا “صالحين” وعاملي الخير وأتقياء – تتضح الصورة في حياتنا ونفهم ما يريده الله منا اليوم وندرك دعوتنا في الحياة.

[8] حين نزور القربان المقدّس، يباركنا الربّ يسوع ويضع يده على كتفنا ليعزّينا ويشدّدنا. ليس مهم أن نرى النور وليس مهم أن نشعر

بحضور الربّ. فقط آمنوا بذلك.