التعليم المسيحي والتنشئة المستمرة

مقدّمة

  1. إنّ خدمة التعليم المسيحيّ من خدمات الكنيسة الأساسيّة، بدونها لا يستطيع الولدُ أن ينمو بالإيمان، ولا الراشد أن يطلب المعموديّة، ولا المؤمن أن يعيش مسيحيّته عيشًا مستنيرًا. لذا أولتها الكنيسة اهتمامًا خاصًّا منذ نشأتها فأقامت جماعة الموعوظين للراغبين في الانضمام إليها حيث يتعلّمون حقائق الإيمان المسيحيّ، ويتمرّسون بعيشها. وبعد قبولهم أسرار التلمذة، يتفقّهون بمعاني رموزها وإدراك مفاعيلها.

وما زالت الكنيسة ساهرة على أداء هذه الخدمة عملاً بوصيّة الربّ: “إذهبُوا وتلمذوا جميع الأمَم وعمِّدوهُم (…) وعلِّموهم أن يعملُوا بكلِّ ما أَوصيتكم به” (متى 28/19). وإلى وَعيها المخاطر المحيطة بأبنائها المُعرّضين “للانحياز إلى مُعلِّمين يكلِّمونهم بما يُطرب آذانَهُم” (2 طيم 4/3) وللانقياد إلى مغريات العالم، فهي تَعلم أنَّ البشريَّةَ ما زالت تربة خصبة تقبَل زرع الكلمة وتُثمر ثمار خلاص، شرط أن يستوفي الزارع ما تستلزمه البشارة من نعمة إلهيَّة وجدارة تربويَّة وَتفرّغ ودعم المسؤولين الكنسيّين. ولذا فإنَّها تعهد في التعليم إلى “أُناسٍ أُمناء وأهل ليعلِّموا غيرهم” (2 طيم 2/2).

ولا تكتفي التلمذة بالتعليم بل تسعى إلى جعل التلميذ يتخلَّق بخلق المسيح فيفكِّر أفكاره، ويعمل أعماله، ويقف مواقفه؛ وهذا ما عناه الرسول بقوله: “بالبشارة ولدتُكم في المسيح يسوع” (1 قور 4/15)؛ و”يا أبنائي، إنّي أتمخَّض بكم أيضًا إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم” (غل 4/19).

  1. ولما كانت الكنيسة المارونيّة قد دأبت على خدمة التعليم في العيلة، والرعيّة، والمدرسة، وفي احتفالاتها الليتورجيّة، فالمجمع يوليها كلّ ما تستحقّه من عناية. فيهيب بالمسؤولين على جميع المستويات إلى بذل الجهود السخيّة للمحافظة على هذه الخدمة، وتعزيزها بالوسائل الكفيلة بإنمائها، بشريّة كانت أم تربويّة. كما يلفت المعلّمين إلى ما للمارونيّة من خصوصيّات ليتورجيّة، وتاريخيّة، وثقافيّة، وإيقونوغرافيّة، لا بدّ من إبرازها ليُلاقي المتتلمذ ذاته من خلالها ويزداد تعلّقًا بكنيسته دون الانغلاق. بل ينفتح على الكنيسة جمعاء إنطلاقًا من هذا التراث بالذات. إذ إنّ الأصالة لا تعني أصوليّة ولا فئويّة بل هي حافز على المسكونيّة والانثقاف.

الفصل الأوّل : التعليم المسيحيّ عبر تاريخ الكنيسة المارونيّة

  1. يستمدّ التعليم المسيحيّ مضمونه ومقوّماته من كلمة الله في الكتاب المقدّس ومن تقليد الكنيسة الرسوليّ. الكلمة حياة والحياة أبدًا متوثّبة لا تعرف الركود، كذلك التقليد فهو يُغني ويغتني على مرّ العصور. أمّا المعلّم فحيّ بلغة تعليمه، ومرونة أسلوبه، ونمط عيشه، والتنشئة المستمرّة، على أن يبقى أمينًا للجذور.

لذا يرى المجمع في استذكار أهمّ الحقب التاريخيّة إفادة للعاملين في خدمة التعليم والمتعلِّمين، فيعرفون فضل من حفظوا الوديعة قبلهم وتحمّلوا في سبيلها الألم والاستشهاد أحيانًا، ويدركون ما هي العوامل الثوابت عبر العصور.

أولاً: أهمّ الحقب التاريخيّة[1]

1. البدايات

نشأت الكنيسة المارونيّة حول دير مار مارون في شمال سورية، وبقيت الأديرة ردحًا طويلاً من الزمن منارة إيمان وتبشير وتعليم. فعاشت الجماعة المسيحيّة المارونيّة بأجواء ديريّة، تنظّم حياتها وعملها بحسب الأوقات الديريّة، من صلوات، وقدّاس وممارسات دينيّة. فكانت جماعة مصلّية تحيا الحياة الليتورجيّة. تواكب السنة الطقسيّة وتتنشّأ من عيش الصلوات والأعياد والأصوام[2].

2. الأزمنة الصعبة

  1. منذ القرن السابع اضطر الموارنة إلى اللّجوء إلى جبل لبنان تحت وطأة الاضّطهاد الذي ما انفكّ يلاحقهم قرونًا طويلة، مستعرًا أحيانًا وهامدًا حينًا.

سَهَّل لهم الصليبيّون الالتحام بروما وبالغرب في أثناء القرنين الحادي عشر والثاني عشر. أتاحوا لهم فرصة لتطوير حياتهم الكنسيّة والاجتماعيّة، والانفتاح على الطقوس الغربيّة، وارتداء ألبستهم البيعيّة. وكانت مناسبة لهم لإثبات صحّة إيمانهم الكاثوليكيّ.

لكنّ الانفراج ما عتّم أن انقلب ضيقًا وتنكيلاً في ظلّ دولة المماليك الذين تمكّنوا من إجلاء الصليبيّين والانتقام من الموارنة. فتجالد هؤلاء وثبتوا في وجه الاضطهاد.

وفي أوائل القرن السادس عشر انتقل الحكم إلى العثمانيّين والإمارتَين المعنيّة فالشهابيّة. فنَعِم الموارنة بعهد جديد من الحريّة وإعادة الوصل مع روما. وفي هذا العهد عينه عرف التعليم المسيحيّ نهضة مرموقة بفضل عوامل فاعلة نذكر منها المجمع، والكتاب، والمدرسة[3].

3. المجمع

  1. يُعتبر المجمع التريدنتيني في الغرب (1545 و1563)، فتحًا جديدًا في التعليم المسيحيّ كما نفهمه اليوم. إذ ألحّ على النهوض بهذه الخدمة ملزمًا الأساقفة والكهنة بتنظيمها في الأبرشيّات والرعايا والمدارس، وواضعًا كتاب التعليم المسيحيّ الرومانيّ الذي استوحاه بعضهم في ما بعد لوضع كتب أخرى بين أيدي المؤمنين.

عقدت الكنيسة المارونيّة مجمع قنّوبين سنة 1580، وفرضت بدورها القيام بخدمة التعليم انطلاقًا من قانون الإيمان، والصلاة الربيّة، والأسرار، والوصايا، في أيّام الآحاد والأعياد. كما أوجب على الأساقفة تعيين كهنة يعلّمون الأولاد التعليم المسيحيّ في كلّ قرية ومدينة أيّام الآحاد.

ثمّ عُقد المجمع اللبنانيّ في السنة 1736 فوضع قوانين تلزم الكهنة بتعليم المؤمنين في الآحاد والأعياد تعليمًا يُطابقُ “التعليم المسيحيّ الرومانيّ”[4]، وتُعاقبُ من لا يقوم بهذه الخدمة. كما تُلزم الوالدَيْن بتعليم أولادهم الإيمان الصحيح، وإن عجزوا بسبب الجهل، وجّهوهم إلى الكنيسة لتلقّي تعليم الكاهن. كما يشمل هذا الإلزام معلّمي المدارس. ويوجب على المُعمِّد استبعاد عرّاب العماد الذي يجهل العقيدة المسيحيّة.

أمّا المدارس فالمجمع يوصي بفتحها في المدن والقرى والأديرة، ويلحّ على تمريس تلاميذها بالصلاة، والقيام بتلاوة الفرض، وخدمة القدّاس، وقراءة العهد الجديد، والمزامير[5].

4. الكتاب

  1. انتشر كتاب التعليم المسيحيّ في الغرب بعد المجمع التريدنتيني. فعُرف منه تعليم بلارمان Bellarmin وتعليم كانيزيوس Canisius في كتابَيه الكبير والصغير، وتعليم ريشليو Richelieu، وذلك بين السنتَين 1556 و1618.

وقد تُرجمت هذه الكتب إلى العربيّة وطُبعت في روما أوّلاً ثمّ في لبنان بعد إنشاء مطبعة الشوير 1733. والمجمع اللبنانيّ يوصي باستعمال كتاب بلارمان الذي يتناسب ببساطته ومستوى الشعب الثقافيّ. وقد نهجت جميع هذه الكتب منهج السؤال والجواب في عرض العقيدة والأسرار والوصايا.

وفي سنة 1780 أصدر مطران بيروت يوسف اسطفان كتاب تعليم مسيحيّ من تأليفه باللغة العربيّة. لكّن وجوه الشبه كثيرة بينه وبين الكتب المترجمة.

منذ ذلك الزمن وحتّى منتصف القرن العشرين بقيَ أسلوب الكتاب سؤالاً وجوابًا. في هذا السياق نشير إلى أنّ الرابطة الكهنوتيّة وضعت كتابًا للتعليم في جزءين[6]. وبعد الحرب العالميّة الثانية جَهَدَ المؤلِّفون في جَعل الكتاب قريبًا من ذهنيَّة التلميذ في مراحل نموِّه، ومتماشيًا مع المتطلِّبات التربويّة الحديثة. كما أنَّ موارنة الانتشار تنبَّهُوا إلى رَفد الناشئة بتراث كنيستها فوضع بعضهم كتبًا في هذا الاتِّجاه قد تفيها حقَّها[7].

5. المدرسة

  1. عملاً بِقرار المجمع التريدنتينيّ أُنشئت المدرسة المارونيّة في روما سنة 1584. وسرعان ما اشتهرت هذه المدرسة إذ خرّجت علماء مشاهير تفخر بهم كنيستهم والكنيسة الجامعة معًا[8].
  2. وفي السنة 1690 أنشأ الآباء اليسوعيّون مدرسة في زغرتا أوّلاً، ثمّ في عينطوره سنة 1707. ومن ذلك التاريخ تلاحقت بعثات الرهبنات الغربية إلى الشرق وأنشأت الأديرة والمدارس. وكان للموارنة أوفر نصيب منها فلم يدعوا الفرصة تفوتهم. بل أخذوا بدورهم يُنشئون المدارس وفي طليعتها مدرسة عين ورقه سنة 1789.

كثرت المدارس الكاثوليكيّة في القرنَين التاسع عشر والعشرين واختلط فيها التلاميذ من جميع المذاهب المسيحيّة. وجميعهم يتلقّى تعليمًا مسيحيًّا واحدًا. أمارونيًّا كان أم لاتينيًا أم غيرهما. وما كان من فارق بين كتب التعليم هذه حتى منتصف القرن العشرين.

6. محاولات التجديد

  1. لقد نشط التربويّون في كنائس الغرب، في النصف الثاني من القرن العشرين، في مماشاة الأساليب التعليميّة الجديدة التي تميّزت بالحيويّة والمشوّقات على أنواعها. فبعد إذ كان التعليم المسيحيّ يخاطب العقل بتلقين الصيغ العقائديّة، أخذ المجدّدون فيه يحرّكون جميع طاقات التلميذ بغية تحويلها نحو التصرّف المسيحيّ. وبعد عقود من الاختبارات اتّضح لهم أنّ النهج الحياتيّ لن يدوم إن لم يُبن على قناعات ترسّخ في الفكر وتؤثّر على القلب، وتطبع السلوك. ولذلك ترجّح غالبيتهم ما يُسمّى، في التعليم المسيحيّ، طريق عمّاوس. وفيه أربع مراحل: استكشاف، فإعلان، فاستيعاب، فتحوّل. ولكلٍّ من هذه المراحل تقنيّاتها الحسيّة. وللصورة والصوت مكانهما في هذا التعليم إذ هما عصب لغة العصر ولا سيما لغة الأولاد والشباب. كما ينتهج غيرهم طرقًا تنطلق من الليتورجيّا.

ويجاري تربويّو الشرق زملاءهم الغربيّين في هذه الاختبارات، لاسيّما وقد تطوّرت طرق تعليم جميع مواد العلوم واللّغات. ولا يجوز أن يبقى التعليم المسيحيّ وحده في المؤخّرة.

ثانيًا: الثوابت

  1. يرى المجمع أنّ الموارنة، عبر الأجيال والتقلّبات التاريخيّة، قد امتازوا بالتشبّث بثوابت مكّنتهم من الصمود والرسوخ في الإيمان المستقيم، وأنّ للتعليم المسيحيّ في الكنيسة المارونيّة ثوابته مهما تطوّرت أساليب أدائه وتبدّلت اللغة:

‌أ.الحرص على سلامة الإيمان وعيشه في الشركة التّامة مع القيّمين على رعاية الكنيسة المارونيّة وخدمتها والمتشبّثين بالجذور التي منها نشأوا واغتذوا. “فكنيسة الله الحّي هي ركن الإيمان ودعامته” (1 طيم 3/15).

‌ب.  استلهام تعليم الآباء، ولاسيّما السريان منهم، الذين حفظوا لنا هذا الإيمان بالتعمّق فيه، والدفاع عنه، وتعليمه بجدّ وغيرة، وكثيرون منهم مهروه بدمائهم. والكنيسة إذ تقرأ كتاباتهم في احتفالها بالخدمة الإلهيّة، ترتوي ممّا فيها من تعليم، وإرشاد، وتشجيع.

‌ج. الكتاب المقدّس والتقليد الكنسيّ كانا ولن يزالا منهل الحقيقة، والحياة المسيحيّة الأصيلة. منهما اقتُبست الصلوات والقراءات الليتورجيّة التي طالما سمعها المؤمنون وحفظوها. أمّا اليوم وقد غدا الكتاب المقدّس بمتناول الجميع، فيجدر بالمارونيّ أن يألفه بالمطالعة والتأمّل فيصير “مصباحًا لخطاه ونورًا لسبيله”.

‌د.  من قبل أن تطبع الكتب، وبعد انتشارها دأب الأساقفة، والكهنة، والرهبان على تعليم المؤمنين وإنهاجهم طريق الفضائل الإنجيليّة بإعلان الكلمة وشهادة السيرة. وما زالت هذه الخدمة أولى الخدمات في الكنيسة لها يتفرّغون.

‌ه.  دأب الموارنة على المسالمة والمحبّة مع المسيحيّين الآخرين، والتعاون وإيّاهم ولاسيّما في أزمنة المحن. الآن وقد تطوّرت العلاقة بينهم تطوّرًا إيجابيًّا فهي تقتضي منهم انفتاحًا متبادلاً وسعيًا متواصلاً إلى الوحدة التامّة في المسيح.

‌و.  يعتبر الموارنة تعايشهم مع المسلمين، منذ البدايات، تدبير عناية إلهيّة. إذ يشهدون بينهم للمسيح ومحبّته، ويتعاونون وإيّاهم على بناء المجتمع والوطن، ساعين إلى التساوي في الحقوق والواجبات، مقدّرين ما في الديانتين من قيم مشتركة، “مستعدّين لإجابة كلِّ من يطلب منهم دليلاً على الرجاء الذي فيهم” (1 بط 3/16).

‌ز.  القدّيسون والقدّيسات في الكنيسة المارونيّة تعليم حيّ بليغ، وإنجيل خامس كُتب في كلِّ عصر بلغته، وعُزف بلحنه. وهم يقولون للمعلّمين والمتعلّمين معًا: “اقتدوا بنا مثلما نقتدي بالمسيح” (1 قور 11/1) على ألاّ يتوقّف التعليم المسيحيّ عند المعجزات التي صنعوا، بل يبرز شهادة سيرتهم الإنجيليّة التي يستطيع المؤمن أن يعيشها ويتقدّس.

الفصل الثاني : واقع التعليم المسيحيّ ومرتجاه

  1. مرّ التعليم المسيحيّ في الكنيسة المارونيّة بمراحل مُختلفة. كانت الليتورجيّا العاملَ الأوَّل في تعرُّف المؤمنين إلى حقيقة يسوع المسيح. وكانَ للعائلة دور أساسيّ في هذا التعليم. فهي كانت تلتقي كُلَّ مساء للصلاة، وكانَ الوالدُ يقصُّ على أولاده قصص سير القدّيسين وروايات من الكتاب المقدّس. وفي مدرسة “تحت السنديانة”، كانت المزامير نصوص تعليم القراءة. وكان إطار التعليم التقليديّ الدير أو الرعيّة.

أولاً: التعليم المسيحيّ اليوم

  1. لا بدّ بعد الكلام على التعليم التقليديّ من وصف الواقع المعيش اليوم. يؤمَّنُ تعليم الأولاد في المدارس بشكل عامّ. فالمدرسة هي الإطار الأوَّل لهذا التعليم. أمّا دور العائلة فقد تقلَّص لأسباب عدّة، منها: في بعض الأحيان فاقت ثقافة الأبناء ثقافة والديهم ولم يَعد من السهل نقل الإيمان إليهم. ثمَّ إنَّ الانشغالات المُتعدِّدَة والهموم لم تَعد تسمح للأهل بما يكفي من الوقت لهذا العمل. ولا ننسَ ما كان للحرب الطويلة من تأثير سلبيّ، فضعف الحسّ الدينيّ في كثير من عائلاتنا. وجاءت وسائل الإعلام لتشغل حيِّزًا كبيرًا من نشاط الأولاد والعائلة. لكنّ بعض الحركات الروحيّة أو الرسوليّة ساهمت في تنشئة الأولاد مساهمةً فاعلة.
  2. أمَّا على مستوى الراشدين، فقد حدث تطوّر بإنشاء مراكز تعليم خاصّة بهم. إنَّ الحياة الليتورجيّة أخذت تتقلَّص حتّى الاكتفاء بذبيحة القدَّاس يوم الأحد والعيد. وبالتالي فقد اقتصر التثقيف على المُمارسين لها، وعلى بعض المنتسبين إلى الحركات الروحيّة والرسوليّة. هُناك أيضًا بعض مجلاَّت ووسائل إعلام سمعيّة وسمعيّة بصريّة تبثُّ كليًّا أو جزئيًّا برامج تثقيفيّة مسيحيّة. وقد نظّمت بعض الرهبنات والأبرشيّات والجامعات تثقيفًا دينيًّا للعلمانيّين.

وقد خصّصت بعض الأبرشيّات المارونيّة في بلاد الانتشار لقاءات للتعليم المسيحيّ في حمى كنائس الرعايا. وأُنشئت بعض الجماعات الروحيّة التي تسعى إلى تمريس أعضائها بالروحانيّة المارونيّة.

ثانيًا: تعليم شعب الله

  1. وسط التغيُّرات الطارئة، لا بدّ من أن يواكب المسؤولون عن التعليم المسيحيّ مسيرة كلِّ أفراد شعب الله بحسب أعمارهم وظروفهم وأوضاعهم. فإذا كانت المدارس تؤمِّن التعليم المسيحيّ للأولاد، فهذا لا يعفي الرعيَّة من دورها. لقد خَطَت المدرسة، مع ما أمَّنَته اللّجنة الأسقفيّة للتعليم المسيحيّ، خطوات لا بأس بها في هذا المجال. ويبقى عمل كثير. أمّا الذين نُسمّيهم “راشدين” فوضعهم يختلف.
  2. في الأمس كان الراشدون مُتشابهين إلى حدٍّ كبير. ولم تكن للفرادة والشخصانيّة المكانة التي لها اليوم. يتميّز عالم الراشدين اليوم بتنوّع لافت إذ هو عالم الاختصاص. وهذا الواقع يفرض على المسؤولين عن تنشئة الراشدين المسيحيّة تنوّعًا في الأساليب والمضامين والمناهج والأهداف لتحقيق الغاية القُصوى الواحدة وهي إعلان الإنجيل.

لقد أُتيح لعالم الراشدين اليوم الانفتاح على ثقافات متنوّعة وتقنيّات جديدة. فقد أصبح كلّ إنسان مُتعدِّد الانتماءات الثقافيّة يسعى إلى تأسيس نظرته الخاصّة إلى كلّ ما يدور حوله، ولكن بصعوبة بسبب وفرة المُعطيات والتحوّلات. ولا شكّ أنَّ في هذا كلِّه ما يؤثِّر، إيجابًا أو سلبًا، على نقل البشارة الإنجيليّة في عالم اليوم.

وفي عصر الاستهلاك والماديَّةِ والتهافت على الإنتاج أكثر من الاستنتاج، أصبح من الصعب إعلان الإنجيل الذي يدعو إلى التحرُّر، وتحرير الإنسان والعالم. نحن في عالم يكثر فيه الكلام على الحوار وخاصّة حوار الحضارات والأديان، وازداد فيه الاختلاف وبالتالي الخلاف. والإنجيل هو دعوة للِّقاء والشراكة.

ثالثًا: بين الميراث والتراث

  1. في الوَرَثة مَن يُبقي الموروث كما هو. وفيهم مَن يكون أمينًا للتراث في تطوير ما ورث. ونحن مدعوّون للأمانة لتراثنا المارونيّ لا لما توارثنا من عادات وتقاليد.

‌أ.  لا يُمكن لتنشئة الراشدين المسيحيّة المستمرّة أن تغفل واقع التنوّع في هذا العالم. فالقائمون على هذه التنشئة مدعوّون إلى تحسُّس معاناة الراشدين في عالم اليوم الواسع وفي محيطهم المباشر. فلا يرضى المُنشِّئ لنفسه بثقافة محدودة، بل يُلمّ بكثير من العلوم الإنسانيّة من مثل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الفلسفة وعلم اللاهوت.

‌ب. لا بدّ من اعتبار الاختصاصات المُختلفة في التنشئة. فتنشئة الأطبّاء مثلاً تختلف عن تنشئة غيرهم في كثير من جوانبها.

‌ج. لا بدّ من العمل على مستوى الانتماء النقابيّ لتأمين التنشئة المسيحيّة المستمرّة انطلاقًا من واقع كلّ راشد.

‌د.  الحركات الرسوليّة والروحيّة تؤمِّن ثقافة مسيحيّة لأعضائها دون أن تأخذ بعين الاعتبار واقع كلّ عضو إلاّ إذا كانت الحركة مُتخصِّصة مثل الشبيبة العاملة المسيحيّة.

‌ه.  مع التأكيد على أهميّة وضع كتاب تعليم مسيحيّ للراشدين، نؤكِّد على أهميّة استعمال وسائل الإعلام لنشر الفكر المسيحيّ العمليّ، وعلى إعلان الكنيسة موقفها من قضايا كثيرة آنيّة غير مُكتفية بالمبادئ النظريَّة وذلك عبر وسائل الإعلام.

‌و.  لا بدّ من العمل على نشر الوثائق الكنسيّة العالميّة والمحليّة كي يتمكّن كلّ مؤمن راشد من أن يعيش واقعه الخاصّ في ضوء تعليم الكنيسة.

‌ز.   وفي كلّ هذا يُفترض التعاون بين الكنائس المُختلفة. وهذا التعاون يساعد على خلق روح مسكونيّة وتنشئة مسكونيّة ملائمة.

  1. عبر كلّ ذلك، لا ننسى حقيقة مهمّة في واقعنا المارونيّ. فالكنيسة المارونيّة أصبحت كنيسة عالميّة الانتشار. وهي مدعوّة لتنشئة أبنائها على روح الحوار والتفاهم مع المحافظة على الهويَّة.

كنيستنا المارونيّة اليوم على مفترق في طيّاته الكثير من الحظوظ والنعم وكثير من المخاطر.

  1. يجب أن تتناول تنشئتنا على الهويّة المارونيّة كلِّ ما يُحيط بها وتعمل على بعث حوار فاعل في سبيل بناء إنسانيّة تقبل بالتعدّديَّة واحترام هويَّة كلّ شعب.

في تراثنا الكثير من الاختبارات الروحيّة واللاهوتيّة. من المطلوب أن نعود إلى نصوصنا الليتورجيَّة والآبائيّة فنتَّخذ منها فهرسًا بالكلمات السريانيّة (الجمرة، بيت غازو، كيونو…) لندرس هذه الكلمات ونعيدها إلى إطارها فنستخرج منها كثيرًا من الأفكار والموضوعات. وانطلاقًا منها نكتب نصوصًا جديدة ورتبًا تُناسب عالم اليوم وتُخاطب أبناءه. لأنّ الترجمة الحرفيّة تفتقد إلى الحيويّة التي تُعبِّر عن حقيقة التراث.

رابعًا: أماكن التعليم المسيحيّ وتنشئة الراشدين

  1. مِمّا لا شكَّ فيه أنّ مضمون التعليم المسيحيّ كمضمون تنشئة الراشدين يُنقل بواسطة التقليد الكنسيّ. فَمن جهة، يُحافظ هذا التقليد على مَضمون الإيمان ويُنَقّيه من الشوائب؛ ومن جهة أخرى، يُساهِم في إيصاله صَحيحًا إلى الأجيال المُتعاقبة. يَقودُنا هذا التأكيد إلى عَرض دَور بَعض الأماكن الأساسيّة التي يَتمّ فيها هذان البُعدان، بُعد المحافظة على الإرث الإيمانيّ، وَبُعد انتقالِهِ خاليًا من الهرطقات، خالصًا منَ الانحرافات.

لَن نَفصلَ بَين أماكن التعليم المسيحيّ وأماكن تنشئة الراشدين، لأنّ هذه الأماكن تتداخَل، والمكان الواحد يُمكن أنْ يُساهِم في هَذَين العملَين مَعًا.

  1. العائلة هي المكانُ الأوَّل والأساسيّ لتأمين الأرضِ الخصبة للتعليم المسيحيّ ولتنشئة الراشدين. فإذا كان الإنسانُ ابن بيئته التي تؤثِّرُ فيه فهو بالأحرى ابن عائلته. العائلة الشرقيّة عامَّةً، والمارونيّة خاصّة، هي عائلة محافظة؛ هذا ما يشعر به موارنة الانتشار وموارنة النطاق البطريركيّ. فالروحانيّة المارونيّة طَبعَت بشكل مُباشر عائلات أبناء هذه الكنيسة بطابعها الخاص.

عندما نتكلّم على دور العائلة نتطرّق إلى دور الأجداد والآباء والإخوة والعرّابين والأقارب… دور كلّ منهم مُميّز تجاه الآخر وتجاه سائر الأفراد. أمّا الدور المشترك فهو دور الصلاة ضمن العائلة، ودور الشهادة المسيحيّة، والسلوك المستقيم. هذا الدور الذي تشهده العائلات المارونيّة يواجه حاليًّا، إنْ في النطاق البطريركيّ أو في الانتشار، تأثيرًا مزدوجًا: عيش الأصالة والمحافظة من جهة، والانفتاح للتغيّرات الخارجيّة السلبيّة الذي قد يقضي على الروحانيّة الصحيحة، من جهة أخرى.

فالمجمع البطريركيّ المارونيّ، إذ يُثني على دور العائلة المارونيّة، يطلب من أبناء الكنيسة المارونيّة كافّة الانفتاح الإيجابيّ على كلّ ما من شأنه انماء الروحانيّة المارونيّة، كما يحذّر من التأثيرات التي لا تَمتّ إلى الأصالة المسيحيّة بأيّة صلة. من جهة أخرى، يَحثّ المجمع العائلات على إعادة الاعتبار للصلاة ضمن العائلة؛ وتوسيع إطار هذه الصلاة إلى عائلات أخرى مع تَعميق مضمونها ليكون حاملاً أبعاد الإيمان الصحيحة.

  1. الرعيّة هي الخليّة الثانية الأساسيّة لنقل مضمون الإيمان؛ إنّها الثانية ولكنّها لا تَقلّ أهميّة عن الأولى التي هي العائلة. لكلّ منهما دوره المُميّز على صعيد التعليم المسيحيّ وتنشئة الراشدين. أكثر من نصّ مجمعيّ تطرّق إلى دور الرعيّة وكيفيّة تجدّدها. سنتناول دور الرعيّة، من زاوية الموضوع الذي نحن في صدده. يُقسم النشاط الرعويّ إلى قسمَين كبيرَين: نشاط مع مختلف فئات الرعيّة ونشاط مع الرعيّة كجماعة كبيرة. يُمكننا أن نرى في الرعيّة أوَّلاً مجموعات مُختلفة: الأطفال، أطفال القربانة الاحتفاليّة، الناشئون، الشبيبة، المجروحون بذكائهم، فئات التحضير للزواج، المسنّون، الأخويّات، المجالس الرعويّة، لجان الأوقاف، المُشاركون في السهرات الإنجيليّة… كلّ مجموعة من هذه المجموعات هي مكان مثاليّ للتعليم المسيحيّ وتنشئة الراشدين. على الرعيّة، في هذا الإطار، أن تسهر على احترام خصوصيّة كلّ منها، وأن تُضفي عليها نفحة تعليميّة خاصّة بها. في قسمة هذه الفئات حسنات عدّة من أهمّها وحدة المستوى الفكريّ وتشابه الصعوبات والاهتمامات. فهي تتيح للمُنشِّئ معالجة موضوعاته الإيمانيّة بشكل يتناسب وسامعيه.

أمّا النشاط الرعويّ الآخر فهو النشاط على مستوى الجماعة الرعويّة عامّة: الاحتفالات الطقسيّة، الصلوات الكنسيّة، ليتورجيّات الأسرار… في هذه المُناسبات يصير التركيز على إيصال مضمون الإيمان مِن خلال مضمون الصلوات والألحان والتراتيل، واختيار القراءات الكتابيّة والآبائيّة، مِن جهة، ومن خلال العظات، مِن جهة أخرى.

  1. يُمكِنُنا في المكانَين الأوَّلَين للتعليم المسيحيّ وتنشئة الراشدين التكلّم على بُعد مارونيّ بَحت. أمّا الأمكنة الأخرى التي سنتطرَّق إليها فَليست بالضرورة مارونيّة، أو على الأقلّ، لا ينحصر الحضور فيها على الموارنة. في طليعة هذه الأماكن، المؤسَّسات التربويّة: المدرسة الأكاديميّة، المدرسة المهنيّة، المعهد الجامعيّ، الكليّة… وهذه المؤسَّسات التربويّة ليست محصورة بإدارات كنسيّة. يَحثّ المجمعُ الأبرشيّات والرعايا حيث وجدت هذه المؤسَّسات على التعاون مع إداراتِها وتدارس الطرق الناجعة لأجلِ تأمين التعليم المسيحيّ وتنشئة الراشدين وسائر الخدمات الدينيّة فيها، بالتعاون مع أساتذة التعليم المسيحيّ، مُرشديّة المدارس، مُرشديّة الجامعات، العمل الرعويّ الجامعيّ… يُذكِّر المجمع مُختلف إدارات هذه المؤسَّسات أنَّ أصول التربية الصحيحة لا تبدأ بمضمون المواد التعليميّة بَل بِكَيفيّة تَعليمِها وبالروح التي يبثُّها التربويّون بِتَعليمهم ومثالهم. لذلك يُناشد هذه الإدارات على السهر على تنشئة أساتذة مُختلف المواد التعليميّة واختيار “المشهود لَهم” بقوام السيرة من أجل سلامة التعليم على مُختلف الأصعدة والمستويات.
  2. إنَّ وعيّ الكنيسة لدورِها كأمّ ومُعلّمة، وعطش المؤمنين إلى التعمُّق في مضمون إيمانهم، حملاها على إنشاء مَعاهد تثقيف دينيّ تَهتَمّ بتنشئة أبنائها تنشئة مسيحيّة صحيحة. عدّة أهداف تَقود المؤمِنين إلى مُتابعة الدروس في هذه المعاهد: ثَقافيّة، إيمانيّة، رعويّة، تربويّة… وَبما أنّ هذه الأهداف مُتعدِّدة، كانَ لا بُدَّ من إنشاء مَعاهد خاصّة أو فرز برنامج خاصّ للراغبين في أن يصيروا أساتذة تعليم مسيحيّ ومُنشِّطين رعويّين. كما دَفَع هذا السبب بَعض الجامعات إلى إنشاء كُليّات لاهوت أو علوم كنسيّة تتيح للطلاّب الحصول على شهادات جامعيّة في هذا الحقل.

لا بُدّ من الإشارة هُنا إلى المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تُنظّمها تلك الكليّة أو ذلك المعهد في سبيل نشر أسس الإيمان والعلوم الكنسيّة والتفاسير الكتابيّة فتتخطّى الطلاّب الدارسين على مقاعدها وتُفيد عددًا أكبر من المؤمِنين.

إنّ المجمع، إذ يُثني على كلّ الجهود المبذولة من قِبل الأبرشيّات والرهبنات في سبيل تنشئة المؤمِنين، يرجو ألاّ تكون الكمّية على حساب النوعيّة وأن يسعى الجميع إلى تعاون أوثق تنافيًا لشرذمة الطاقات والكوادر وضمانًا لوحدة الجهود وفاعليّتها.

  1. لقد قامَ الرهبان بِدورٍ كبير في نشر الإيمان من خلال أديارهم ومدارسهم وتجوالِهم في القرى والمدن لتأمين الخدمات التعليميّة، والوعظ، والتحضير للقربانة الاحتفاليّة. هذه الحقيقة التاريخيّة تجعلنا نتساءل عن الدور الذي يقومون به في أيّامِنا الحاضرة. فالأديار كانت ولا تزال واحات تنشئة روحيّة مِن خلال الإرشاد الروحيّ ومن خلال مُشاركة المؤمِنين الذين يؤمّونَها للصلوات “الخورسيّة”. لكنّ هذا التأكيد لا ينفي ضرورة تنظيم هذه الواحات لِتأمين الخدمات التعليميّة والروحيّة المرجوّة ورُبَّما تخصيص أديار تُعنى بنوع خاصّ بالتنشئة والخلوات الروحيّة.
  2. إنَّ تطوّر وسائل الاتّصال على مُختلف المستويات يجعلُنا نتكلّم اليوم على “القرية الكونيّة”. والكنيسة التي تُرافق التطوّر سَعَت إلى استعمال هذه الوسائل. فالإعلام المرئيّ والمسموع والمكتوب والإنترنت وغيره من وسائل التواصل كان ولا يزال وَسيلة فَعّالة في يدّ الكنيسة لإيصال البشرى ولترسيخ مؤمِنيها في إيمانهم الصحيح حيثُما وُجدُوا.
  3. نتوقَّف أخيرًا وليس آخِرًا على مكانَين يعيش فيهما الأشخاص وضعًا خاصًّا: المُستشفياتُ والسجون. بالإضافة إلى تطوّر الطبّ والأساليب العلاجيّة، تَشهد بَعض المُستشفيات، وبخاصّة تلك التي هي بإدارة مؤسَّسات كنسيّة، نشاطات روحيّة وتثقيفيّة وإنسانيّة. فَفي سبيل اختيار أَطبّائها، عَمَدتْ إدارة بَعض المُستشفيات ليس فقط إلى دراسة ملفّ الأطباء بل كذلك إلى انتقاء المُلتزمِين إيمانيًّا. كما أنّ مُستشفيات تؤمِّن الخلوات الروحيّة للأطبّاء والموظّفين. هذا بالإضافة إلى المُحاضرات في “أخلاقيّات الطبّ” في كُلِّ أقسامه. تُساعد هذه النشاطات العاملين في حقل المستشفى على تأدية شهادة مسيحيّة للمرضى وللمُحتَضَرين ولأهليهم.

أمّا السجون فكان لها نَصيب من اهتمام الكنيسة من خلال مُرشديّة السجون وبعض المؤسَّسات المؤازرة لها. تسعى الكنيسة من خلال هذه الأعمال ليس فَقط إلى تأمين المُساعدات العَينيّة بَل إلى تأمين حضور إنسانيّ ومسيحيّ للمساجين ومُتابعة المُفرَج عنهُم وإعادة تأهيلهم ومساعدتهم للانخراط مُجدَّدًا في المُجتمع.

  1. باختصار كلّ مؤمِن مُعلّم بِقَدر ما يستلهم تعاليم “المُعلِّم” وتعاليم الكنيسة “الأمّ والمُعلّمة”. انطلاقًا من هذا التأكيد يُصبح عَمل المؤمِن شهادة وتعليمًا وتنشئة. مِن هُنا لا بُدّ لنا مِن إدخال التعليم أو شهادة الحياة المسيحيّة إلى كُلَّ أماكن الوجود المسيحيّ في مُختلف قطاعات العمل: مَعامل، مكاتِب، نقابات، رابطات…

الفصل الثالث : التحدّيات المطروحة والاقتراحات المستقبليّة

  1. إنّ تربة عالم اليوم لا تزال خصبة، ومدعوّة إلى أن تثمر ثلاثين وستّين ومئة، شرط أن نحمل إليها زرع الربّ وبشارته في أفضل الظروف وبأحسن الوسائل والطرق. وهذا ما يقودنا إلى التفكير في واقع التعليم المسيحيّ وتنشئة الراشدين (وهي مرحلة من مراحل التعليم المسيحيّ) في كنيستنا المارونيّة اليوم، لنتوقّف عند أبرز التحديّات المطروحة، ولنقترح لمستقبلنا بعض الحلول من أجل بشارة أكثر فاعليّة ومصداقيّة.

1. على المستوى الفكريّ

  1. أ. إنّ الانفتاح الحاصل على المستوى التقنيّ والاتّصالاتيّ قد ألغى الحدود التي لم تكن قد سقطت بعد في وجه التقدّم البشريّ. فلا اللغة، ولا الجغرافيا، ولا المسافات، تشكّل بعد اليوم عائقًا في وجه الإنسان الراغب في المعرفة والانفتاح! هذا التقدّم، على رغم كلّ ما يوفّره للبشريّة وللمسيحيّة من خدمات، يطرح تحدّيات متعدّدة على المسيحيّ. ولعلّ التحدّي الأوّل هو المحافظة، في ظلّ هذه الظروف، على نقاوة الإيمان، ونقاوة التعليم المسيحيّ من تأثير تعليم الأديان الأخرى والبدع والإيديولوجيّات المتعدّدة ورواسبه. لذا يدعو المجمع بإلحاحٍ الموارنة عمومًا، والمعلّمين من بينهم خصوصًا، إلى أن يعودوا دائمًا إلى ينبوع الكتاب المقدّس وتعاليم الكنيسة والآباء ليستقوا منها غذاءً لحياتهم وحياة تلاميذهم.
  2. ب. من جهة ثانية، إنّ موجة الانفتاح الحاصلة في العالم تثير في الإنسان رغبة غرائزيّة في العودة إلى ما عنده، وفي ذلك خير كبير إذ يكتشف الإنسان اختلاف ثقافته وتربيته ودينه. أمّا التحدّي فهو أن يدفعه الخوف من فقدان الهويّة إلى الانعزال والقوقعة والأصوليّة. لذا، يدعو المجمع الموارنة جميعًا إلى التعمّق في خصائصهم الثقافيّة والاجتماعيّة والدينيّة…، والتخلّي عن الخوف.
  3. ج. يميل الموارنة عمومًا إلى تحصيل العلوم العالية والشهادات الجامعيّة التي توليهم جوازات سفر إلى عالم العمل والوظيفة. ونحن إذ نُشيد بهذا السعي ننبّه إلى ضرورة أن تترافق هذه الثقافة العلميّة والإنسانيّة وثقافة مسيحيّة عميقة، فلا نبرع هنا ونكتفي بالسطحيّة هناك! لذا فإنّ المجمع المقدّس يدعو جميع أبناء الكنيسة المارونيّة إلى توظيف كلّ الطاقات المتوفّرة من أجل ثقافةٍ مسيحيّة أوسع وإيمانٍ أعمق. ويشيد المجمع بكلّ المبادرات التي من شأنها أن تساهم في تعميق الثقافة المسيحيّة والإنسانيّة، ولاسيّما السريانيّة الأنطاكيّة المارونيّة، ويشجّع الموارنة على الافادة من خدمات مراكز التثقيف الدينيّ ومعاهده، وكلّيات اللاهوت والليتورجيا.
  4. د. بالنسبة لمضمون برامج التنشئة والتعليم فمن المهم أن يركّز على كيفيّة تطبيق المعطى الإيمانيّ على الواقع المعيش، وعلى تعليم الكنيسة الاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ، وعلى تعليم الكنيسة في ما يختصّ بالانفتاح على الديانات الأخرى، وبأهمّية الالتزام في الحوار والعمل المسكونيّ البنّاء… ومن الضروريّ أن تركّز برامجنا على تقليدنا وتراثنا المارونيّين، في مجالات الفنون المقدّسة والليتورجيا وغيرها…
  5. ه. حتى إذا نال موارنتنا ثقافة روحيّة ومسيحيّة لائقة، وتعمّقوا في حقائق إيمانهم المسيحيّ، أمكنهم حينئذٍ ان يمارسوا بوعي ما يدعوهم إليه الإيمان من عبادات وأن يعملوا على تطوير سلوكيّتهم بشكل يتناسب مع إيمانهم وممارساتهم. وهنا نشير إلى الدور العظيم الذي تمثّله ليتورجيتنا الأصيلة والغنيّة، إذ إنّها ترسّخ فينا معرفة الله وتعمّق فينا الإيمان وتنضجه. وعندما ينضج فينا الإيمان وترفوه المعرفة نزداد محبّةً لله، وحسًّا بالمسؤوليّة، والتزامًا في الكنيسة.

2. على المستوى الراعويّ

  1. أ. إنّ المارونيّة باتت بالنسبة إلى الكثيرين من أبنائنا تعبيرًا عن انتماءٍ اجتماعيٍّ أكثر منها انتماءً كنسيًّا أو حتى مسيحيًّا. فالكثير من أبنائنا لم يعودوا مسيحيّين لا في إيمانهم ولا في طريقة عيشهم. هم يحملون اسم مارون واسم المسيح في الظاهر، أمّا في الحقيقة فهم يعيشون طلاقًا بين الإيمان والعيش. لذا يدعو المجمع إلى شحذ جميع الهِمَم، وتوظيف كلّ الطاقات (رعايا، مدارس، معاهد، اذاعات،…) في تبشيرهم “تبشيرًا جديدًا” يعيدهم إلى الإيمان المسيحيّ الصافي.
  2. ب. إنَّ التعليم المسيحيّ هو مسؤوليّة الكنيسة بجميع بناها ومؤسّساتها، وتحمل الرعيّة جزءًا كبيرًا من هذه المسؤوليّة بصفة كونها حلقة أساسيّة في سلسلة التعليم والتنشئة، لأنّها تشمل الأعمار والمستويات كافّة. فالرعيّة مدعوّة اذًا، في ليتورجيّتها، ومنظّماتها، ومجلسها الرعويّ، ومع كلّ القوى العاملة فيها، إلى تأمين التعليم المسيحيّ لكلّ فئات المؤمنين وأعمارهم، وبأفضل الطرق. لذلك يحضّ هذا المجمع جميع الكهنة على الاهتمام بعظات الآحاد والأعياد، لأنّها مصدر التعليم المسيحيّ الوحيد للكثير من المؤمنين. ويدعوهم إلى السهر على تأمين خدمة أسراريّة مميّزة، فيها شرح لمعاني الأسرار ومفاعيلها، لأنّ الاحتفال ببعض الأسرار هو مناسبات فريدة لالتقاء بعض المؤمنين الذين لا يؤمّون الكنيسة إلاّ في هذه المناسبة. فالعماد والمناولة الاحتفاليّة والزواج هي مناسبات للّقاء بالمعنيّين قبل منح السرّ وإعدادهم للمشاركة فيه.

 أمّا الأبرشيّة، وهي الكنيسة المحليّة، فدورها أساسيّ في تأمين التعليم والتنشئة. ويقوم التحدّي بتوظيف أبرشيّاتنا الطاقات اللازمة، وفرز ذويّ الاختصاص، لتوفير أفضل الظروف للتعليم والتنشئة، كمثل إنشاء لجنة أبرشيّة تعنى بالتعليم المسيحيّ، وتأسيس مراكز التثقيف الدينيّ، والسهر على تأمين معلّمين كفوئين ومستقيمي السيرة والإيمان للمدارس الرسميّة والخاصّة، وإرسال مرشدين مُلهَمين إلى المستشفيات والسجون والإصلاحيّات وغيرها…

  1. ج. إنّ الروح الذي يعمل في الكنيسة قد دعا إلى قيام جمعيّات علمانيّة هدفها تقديس أفرادها وتنمية ثقافتهم الدينيّة، ومسحنة العالم الذي يعيشون فيه. بعض هذه الجماعات رعويّ، وبعضها مناطقيّ أو وطنيّ أو عالميّ. هذه الحركات المسيحيّة “كنـز ثمين للكنيسة والكاثوليكيّة في لبنان”[9]. لكنّها تحتاج إلى التنشئة والتعليم المسيحيّ الملائمَين، والتحدّي يكمن في اختيار المرشدين المحليّين أو الوطنيّين لهذه الحركات. والتحدّي الآخر يكمن في السهر “باستمرار على احترام هذه الجمعيّات العلمانيّة الضوابط الكنسيّة”[10]، وعلى بقائهم “متّصلين عضويًّا برعاياهم”[11]. لذا، لا بدّ من تكليف مرشدين روحيّين كفوئين، مرتبطين مباشرة بالسلطات الكنسيّة، لمرافقة هذه الجمعيّات العلمانيّة، ولمرافقة المرضى في المستشفيات، والأسرى في السجون والإصلاحيّات…
  2. د. لقد تأسّست في لبنان، وبإذن من السلطات المدنيّة المختصّة، وسائل إعلام مرئيّة ومسموعة هدفها المساهمة في تعزيز الإيمان المسيحيّ وتثقيف المؤمنين دينيًّا وإنسانيًّا. بعضها نشأ بمبادرة كنسيّة، وبعضها الآخر بمبادرة فرديّة. ولكي تؤدّي هذه الوسائل شهادة الكنيسة وتنقل تعليمها دون سواه تسهر الكنيسة عينها على تنظيم برامجها ووضع الضوابط لنشاطها.

3. على المستويين التربويّ والتقنيّ

  1. أ. إنّ التعليم المسيحيّ هو “هذا المجهود الذي يبذل في الكنيسة لتنشئة تلاميذ المسيح وتبشير الناس لكي يؤمنوا بأنّ يسوع هو ابن الله حتّى إذا آمنوا به كانت لهم باسمه الحياة. ولكي يتثقّفوا ويتمرّسوا بهذه الحياة. وهكذا يبنى جسد المسيح”[12]. من أهميّة الرسالة الموكلة إلى التعليم المسيحيّ يبرز التحدّي الأكبر، وهو أن ينجح المعلّمون في تأمين تثقيف إنسان اليوم تثقيفًا مسيحيًّا وتنشئته تنشئةً مسيحيّة، في رعايا لبنان ومدارسه ومعاهده، في النطاق البطريركيّ والانتشار المارونيّ. لقد خطا علم التربية الحديثة خطوات جبّارة في هذا المجال، ولا بدّ لمعلّم التعليم المسيحيّ من مواكبة هذا التقدّم من أجل توفير أفضل المناخات لزرع كلمة الربّ في قلوب المتتلمذين. “ولهذا فإنّ القيام بواجب تلقين التعليم المسيحيّ يجب ان يتمّ في ظروف مؤاتية – من حيث الزمان والمكان واستعمال وسائل الإعلام وجميع الوسائل الملائمة للقيام به- …”[13]. ولمّا كانت أدوات العمل وظروفه وحدها لا تكفي من أجل بشارة أعمق وأفضل، فلا بدّ من أن تحتلّ تنشئة معلّمي التعليم المسيحيّ وتدريبهم اهتمامًا كبيرًا من قبل الكنيسة المؤتمنة على رسالة التعليم. إنّ معلّم التعليم المسيحيّ مدعوّ أكثر من غيره إلى أن يكون عالمًا بالشأن التربوي، متدرّبًا على الوسائل والطرق التربويّة الحديثة، وأهمّ من كلّ ذلك، مؤمنًا يشهد بصدق وحقّ في حياته ومسلكه وكلامه لقدسيّة الرسالة التي ينقل. فالعالم اليوم “يحتاج إلى شهود أكثر منه إلى معلّمين”. ومعلّم التعليم المسيحيّ هو أكثر من أستاذ: إنّه شاهد إيمان الكنيسة وقدوة في الحياة الخلقيّة”[14]. “فالكنيسة مدعوّة إلى تكريس خير ما عندها من قوى، بشرًا وإمكانات، للتعليم المسيحيّ غير مدّخرة وسعًا ولا جهدًا ولا طاقات ماديّة بغية تنظيمه وتهيئة أناس أكفاء يتولّون تلقينه. وليس هذا حسابًا بشريًّا، لكنّه موقف إيمان تشدّ إليه دائمًا أمانةٌ لله الذي ما تغاضى يومًا عن الجواب”[15].
  2. ب. أمّا من حيث محتوى التعليم، ولئن كثُرت المطالبات في شأن تنوّع الموضوعات وشموليّتها، فالمطلوب أن يبقى تعليمنا المسيحيّ مركّزًا على يسوع المسيح، فلا يتحوّل التعليم المسيحيّ إلى درس في الخُلقيّات أو الشؤون الإنسانية أو الاجتماعية أو علم النفس أو ما شابه ذلك. وهذا يفترض أن يهتمّ المعلّمون والمنشّئون بنقل عقيدة المسيح وتعليمه، لا تعليمهم الخاص، ولا أيّ تعليم آخر، لأنّ المسيح هو الطريق والحقّ والحياة (يو 14/6).

فالمجمع يذكّر بأنّ هدف التعليم المسيحيّ الأساسيّ هو حمل المتتلمذ على اللّقاء بيسوع، وليس مجرّد نقل معلومات عنه وتدريسها، لأنّ هذا اللقاء وحده هو القادر على تغيير الحياة وتجديد القلب. فلا بدّ إذًا من حياة رعويّة وليتورجيّة تحتلّ فيها الصلوات والأسرار والرتب مكانتها المميّزة، لبلوغ المتتلمذ هِداية القلب بعد هِداية الفكر واستنارته. “ويخشى أن يُصاب التعليم المسيحيّ بالعقم إن لم تحتضن الجماعة المسيحيّة التي تحيا إيمانها الموعوظ الذي يكون قد قطع مرحلة في تلقّن التعليم المسيحيّ”[16].

  1. ج. إنّ رسالة التعليم لا تقع على عاتق مدرسة أو رعيّة أو أبرشيّة… دون سواها، لكنّها رسالة كنسيّة بامتياز. لذا، وفي زمن يعمل فيه العالم جاهدًا على جمع قواه وتنسيق أعماله من أجل مردود أفضل، في كلّ المجالات والعلوم، فإنّ كنيستنا المارونيّة مدعوّة إلى تنسيق أعمالها وجهودها في مجال التعليم المسيحيّ من أجل خدمة أوفر وثمار أفضل. وهي مدعوّة أيضًا إلى التضامن من أجل أن يتوفّر التعليم المسيحيّ للمارونيّ الأجنبيّ والمنتشر كما للمُقيم، للمدرسة الرسميّة كما للمدرسة الخاصّة، للرعيّة الساحليّة كما للرعيّة الجبليّة أو رعايا الأطراف والانتشار… لذا يشجّع المجمع على القيام بحملة توعية على العمل الإرساليّ، في أوساط الكهنة والرهبان والراهبات والمكرّسين، كما في أوساط العلمانيّين، لتنفتح آفاق موارنة لبنان على حاجات بلدان الانتشار المارونيّ، وعلى “الحقول المغطّاة بالحصاد، فينطلق فعلة لحصادها”. وقد تتطلّب هذه الخدمة الحيويّة خلق هيكليّات جديدة (أبرشيّات، رهبنات، جمعيّات…) تؤمّن خدمة التعليم لموارنة الانتشار أينما وجدوا.
  2. د. لقد أصبح عالمنا اليوم “قرية كونيّة”، وهذا واقع يدعونا إلى الافتخار ويحثّنا على الأمل بمستقبل أكثر إشراقًا للإنسانيّة. كلّ ذلك بفضل التقنيّات الحديثة وما ساهمت وتساهم به في مجال الخدمات والاتّصال السريع. “وفي الواقع، ما قيمة استعمال وسائل الاتّصال، حتى أكثرها تقنيّة وعلمًا وتربويّة – التي توفّرها لنا العلوم والتقنيّات اليوم – إذا لم تستخدم لنقل إنجيل موت المسيح وقيامته ؟”[17]. لذا ندعو جميع القادرين من أبنائنا وبناتنا ومؤسّساتنا إلى تطوير تقنيّات نقل البشرى وتحديثها، بشكل يقرّبها إلى الجميع بصورة شائقة. ونحثّ الجميع على الإفادة من هذه التقنيّات والوسائل في سبيل تعزيز التواصل بين الموارنة عبر العالم.

خاتمة

  1. ليست الإفادة من التعليم المسيحيّ محصورة في عالم الأولاد بل هي تعني الكبار أوّلاً إذ هم مسؤولون عن الصغار، ومدعوّون إلى تغيير العالم من الداخل ليصلح مسكنًا لله، وأرضًا لبشر متحابين.

الأسرة المارونيّة، كالأسرة المسيحيّة بكاملها، مدعوّة إلى القيام بواجبها في خدمة التعليم المسيحيّ كما في الخدمات الأخرى. فلا يرميَنَّ أحد مسؤوليّة التعليم على غيره، أساقفة كانوا أم كهنة أم رهبانًا أم راهبات، أم علمانيّين، جميعهم أعضاء جسد المسيح السرّيّ، ولا غنى للواحد عن الآخر. “كلّ واحد أُعطي نصيبه من النعمة على مقدار هبة المسيح… وهو الذي أعطى بعضهم أن يكونوا رسلاً، وبعضهم أنبياء، وبعضهم مبشّرين، وبعضهم رعاة ومعلّمين، ليجعل القدّيسين أهلاً للقيام بالخدمة لبناء جسد المسيح” (أفس 4/7 و11-13).

فالكلّ يبني الكنيسة بالتعليم والتعلّم لتبلغ قامة المسيح وتشهد في قلب العالم لخلاصه، وتمجّد الله الثالوث.

 

توصيات النصّ وآليات العمل 

الموضوع

التوصية 

الآليّة

1- حسن اختيار المعلمين والسهر على تنشئتهم الدينيّة.

1- يُناشد المجمع إدارات المدارس السهر على اختيار الأساتذة المشهود لهم بقوام السيرة والفضيلة وتنشئتهم على مُختلف المواد التعليميّة من أجل سلامة التعليم على مُختلف المستويات.

1- تتابع الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان التنسيق مع المدارس لإقامة دورات تنشئة دينيّة للأساتذة والمعلمين بهدف مرافقتهم الروحيّة.

2- التنشئة الدينيّة للعلمانيّين.

2- يوصي المجمع الأساقفة بتعاون أوثق في مجال التنشئة الدينيّة للعلمانيين تنافيًا لشرذمة الطاقات والكوادر وضمانًا لوحدة الجهود وقوّتها.

2- يسهر الأساقفة وكلّ المعنيّين بالأمر على توحيد البرامج في مراكز التثقيف الدينيّ وانتقاء المعلمين الأكفاء والطلب إلى الرعاة السهر على ذلك مع الدائرة البطريركيّة للتنشئة واللجنة الأسقفيّة للتعليم المسيحيّ.

3- مرشديّة السجون.

3- يوصي المجمع مرشدي السجون بمواصلة التنشئة الروحيّة والإنسانيّة للمساجين، والعمل مع المؤسّسات المدنيّة والاجتماعيّة على توفير المساعدات العينية لهم، ومتابعة المُفرَج عنهم.

 

4- التنشئة اللاهوتيّة لمعلمي التعليم المسيحيّ والكوادر العاملة في الرعايا.

4- يوصي المجمع كلّيات اللاهوت ومعهد الليتورجيا ومراكز التثقيف الدينيّ ومعاهده، العمل على تهيئة معلّمي التعليم المسيحيّ والكوادر العاملة في خدمة الشأن الكنسيّ والرسوليّ في الرعايا، وتدريبهم على الطرق التربويّة الحديثة والوسائل الناجعة لإيصال كلمة الله للمؤمنين، وتشجيعهم على التأهيل المستمرّ.

4-أ: الطلب من الأبرشيّات والرهبانيّات التنسيق في ما بينها لكي تنشئ، عند الإقتضاء مراكز لتدريب المعلّمين والمسؤولين في الرعايا والمدارس على استخدام التقنيّات الحديثة وتوفير أفضل المدربين لهم.

 

4-ب:  الطلب إلى الأساقفة وكهنة الرعايا تشجيع العلمانّيين، وبخاصّة المنشّطين في الرعايا والأخويّات والحركات الرسوليّة، على إتباع الدروس اللاهوتيّة في مراكز التثقيف الدينيّ.

5- التعليم المسيحيّ للجميع.

5- يوصي المجمع الأساقفة والكهنة بتضافر الجهود لتأمين التعليم المسيحيّ للموارنة في الرعايا والمدارس.

5- تنشئ كلّ أبرشيّة، عند الإقتضاء، لجنة تعنى بتأمين التعليم المسيحيّ في الرعايا والمدارس ولاسيّما المدارس الرسميّة.

6- الإفادة من التقنيات الحديثة لنقل البشرى والتواصل.

6- يدعو المجمع جميع القادرين من أبنائنا وبناتنا ومؤسّساتنا إلى تطوير تقنيّات نقل البشرى وتحديثها.

6- يطلب إلى جميع الأبرشيّات والرهبانيّات إنشاء مواقع الانترنيت المارونيّة وربطها بعضًا ببعض تعزيزًا لنقل البشرى وللتواصل بين الموارنة.

7- برامج التعليم المسيحيّ في المدارس.

7- يثني المجمع على جهود اللجنة الخاصّة التي شكّلتها اللجنة الأسقفيّة للتعليم المسيحيّ بالتعاون مع الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة لتحديث برامج التعليم المسيحيّ، ويدعوها إلى متابعة جهودها والتنسيق مع اللجنة الأسقفيّة للعمل المسكونيّ.

 

8- مناهج التعليم في مراكز التثقيف الدينيّ.

8- يدعو المجمع إلى تشكيل لجنة خاصّة مشتركة بين موارنة النطاق البطريركيّ وموارنة الانتشار، تعمل على وضع منهاج موحّد لمراكز التثقيف الدينيّ ومعاهده يتناسب مع واقع الموارنة وحاجات وانتظاراتهم.

 

8- تشكّل اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحيّ، بالتعاون مع الدائرة البطريركيّة للأبرشيّات والرهبانيّات، لجنة خاصّة لوضع منهاج موحّد:

1. يركز المنهاج على كيفيّة تطبيق المعطى الإيمانيّ على الواقع المعاش، وعلى تعليم الكنيسة الاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ، وعلى تعليم الكنيسة في ما يختصّ بالانفتاح على الديانات الأخرى، وعلى أهميّة الالتزام في الحوار والعمل المسكونيّ البنّاء…

2. يركّز المنهاج التعليميّ أيضًا على تقليدنا وتراثنا المارونيَّين في مجالات الفنون المقدّسة والليتورجيا وغيرها..

9- إحصاء الوسائل السمعيّة البصريّة وتطويرها والإشراف عليها.

9- يدعو المجمع إلى إحصاء  ما توفّر من نتاجات في موضوعات التعليم والتنشئة الأساسيّة لتقويمها والإشراف اللاهوتيّ على مضمونها، وإعداد نتاجات جديدة وأقراص صوتيّة ورقميّة، بالإضافة إلى مواقع مهمّة على الإنترنت.

9-أ: يعهد إلى اللجنة الأسقفيّة للتعليم المسيحيّ بهذه المهمّة.

9-ب: إنشاء لجنة في كل بلد للإشراف على هذه التنشئة والإصدارات المتعلقة بها.

10- التنشئة الدينيّة في الجامعات.

10- يدعو المجمع الجامعات المارونيّة إلى إدخال مادة التنشئة الدينيّة في برامجها الأكاديميّة بصفة إلزاميّة.

 

 

 


1. راجع: Pierre DIB, Histoire des Maronites, t. I, Librairie Orientale, Beyrouth, 2001.

2 راجع في هذا الخصوص: نص الليتورجيّا والهويّة.

3. راجع في هذا الشأن: Michel NAFFAH, De la catéchèse au catéchisme, Mémoire présenté à l’Université catholique de Lyon, Lyon, 1998.

4. هو الكتاب الذي وضعته لجنة رأسها الأسقف شارل بورومّه استجابة لطلب المجمع التريدنتينيّ. نشره البابا بيّوس الخامس سنة 1566. كانت الغاية منه سدّ ما نقص الكهنة من معرفة لاهوتيّة وتزويدهم بما يسهّل لهم الوعظ وتعليم المؤمنين، وقد استوحاه عَصرئذٍ جميع الذين وضعوا تعليمًا مسيحيًّا بعد صدوره.

5 . راجع: “المجمع اللبنانيّ”، القسم الأوّل (في الإيمان الكاثوليكيّ)، الباب الثاني (في التعليم المسيحيّ والتبشير بكلام الله).

6. الخوري يوسف الجميّل، “مختصر التعليم المسيحيّ“، منشورات الرابطة الكهنوتيّة، 1950، جزءين.

7 . نذكر هنا على سبيل المثال مجموعة الكتب التي وضعتها الأبرشيّات المارونيّة في الولايات المتّحدة: The Faith of the Mountain Series

8 . راجع: نص التربية ونص الثقافة.

9. الإرشاد الرسوليّ، رجاء جديد للبنان، الفقرة 74.

10. المرجع ذاته، الفقرة 74.

11. المرجع ذاته، الفقرة 74.

12. الإرشاد الرسوليّ في واجب تلقين التعليم المسيحيّ في عصرنا، للبابا يوحنّا بولس الثاني، 1979، الفقرة 1، ص 6.

13. المرجع ذاته، الفقرة 14، ص 22.

14. المرجع ذاته، الفقرة 73.

15. الإرشاد الرسوليّ، في واجب تلقين التعليم المسيحيّ في عصرنا، الفقرة 15، ص 24.

16. المرجع ذاته، الفقرة 24، ص 36.                                       

17. كلمة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى “المجلس العالميّ للتعليم المسيحيّ”، في الدورة الثامنة له، في كاستلفاندولفو، الفقرة 4.