البطريركية والأبرشية والرعية

 مقدّمة

  1. اختبرت الكنيسة المارونيّة، منذ نشأتها، نظامًا بطريركيًّا قائمًا على الشركة المعاشة في الكنيسة المحليّة. وقد ساد فيها، حتّى نهاية القرن السابع عشر، مفهوم “البطريركيّة” بشكلٍّ شبه حصريّ لأنّ الأبرشيّات بمفهومها القانونيّ لم تكن قائمة.

لكنّ الكنيسة المارونيّة خاضت تجربةً في موضوع تجديد الهيكليّات الكنسيّة، في المجمع اللبنانيّ الذي إلتأم في العام 1736. وأُدخِلَ على البُنية البطريركيّة، وفقًا لتوصيات المجمع التريدنتينيّ، تحديث قضى بتقسيم أراضي البطريركيّة المارونيّة إلى أبرشيّات مستقلّة، على رأس كلٍّ منها أسقف يقيم في أبرشيّته وسط شعبه وله فيها كامل الولاية. كما حدّد هذا المجمع صلاحيّات المطارنة وواجباتهم في أبرشيّاتهم. كذلك الأمر بالنسبة إلى كاهن الرعيّة، التي لم يَرِدْ لها ذِكْر قبل مجمع قنّوبين وإن بات من المؤكّد وجود تنظيمات رعويّة في الكنيسة المارونيّة قبل العام 1580.

صاغ المجمع اللبنانيّ المفهوم القانونيّ للأبرشيّة في الكنيسة المارونيّة، وخَصّص فصلاً كاملاً للرعيّة وخادمها وتناول الأبرشيّة، في سائر الأبواب التي تضمّنتها أعماله[1].

وتعزّز لاحقًا مفهوم “الأبرشيّة والرعيّة” في المجمع الفاتيكانيّ الثاني الذي حدّد وَصْفَين لكِلْتا المؤسّستين[2]. ثم صدر الإرشاد الرسوليّ “رجاءٌ جديد للبنان” فخصّص فصلاً كاملاً لتجدّد الكنيسة، وجعل هذا التجدّد غاية السينودس، على ما يشير إليه عنوان الفصل الثالث، “سينودس لتجدّد الكنيسة”[3].

  1. في هذا السياق، يتطرّق الإرشاد إلى موضوع الهيكليّات على مستوى البطريركيّة والأبرشيّة والرعيّة وإلى مفهوم التجدّد، معتبرًا الهيكليّة بنية تعكس الصلاحيّة والمسؤوليّة، وتحدّد نظام التفويض والمساءلة.

الفصل الأوّل : في البطريركيّة

أوّلاً: المعطيات التاريخيّة

  1. حافظت الكنيسة المارونيّة على وجودها بفضل تعلّقها ببطريركها كرئيسٍ وأبٍ لها وبالمركزيّة التي يشكِّلها فيما يمارس دوره. لذا كان من الواجب الآن أيضًا المحافظة عليها لئلاّ تتقلّص وتصبح شكليّة. فسلطان البطريرك سلطان أسقفيّ عاديّ ومألوف ومكانيّ على كلّ كنيسته داخل النطاق البطريركيّ، وشخصيّ على أبنائها أينما وجدوا.
    1. تتمتّع غالبيّة الكنائس الشرقيّة بنظامٍ بطريركيّ عريق معروف رسميًّا منذ القرن الرابع. وقد ذكره مجمع نيقية سنة 325 تعاونًا بين السلطان الذي ينطوي عليه وسلطان أسقف روما ونَوّه بامتيازات أنطاكية: “لتراعَ العادة القديمة المعمول بها في مصر وليبية والمدن الخمس، بحيث يكون لأسقف الإسكندريّة سلطان على كلّ المقاطعات. فإنّ لأسقف روما مثل هذا التقليد، ويجب أن تراعى أيضًا امتيازات أنطاكية والمقاطعات الأخرى…”[4].

يظهر جليًّا من هذا النصّ أنّ القانون لا يدّعي خلق مؤسّسة جديدة بل يهدف إلى تثبيت تقليد كنسيّ قديم يحفظ حقوق المتروبوليّات الثلاث الكبرى. وقد اعتبره الشرّاح والمؤرّخون تمهيدًا للتنظيم البطريركيّ الذي يعترف لهذه الأسقفيّات بحقّ الولاية على الأبرشيّات والمقاطعات التابعة لها. فمدينة أنطاكية، عاصمة أبرشيّة الشرق، ما كانت قطّ عاصمة إداريّة وثقافيّة وعسكريّة وحسب، بل كانت أيضًا عاصمة دينيّة ومقرّ أسقفيّة الشرق التي تحوّلت، بعد مجمع خلقيدونية (451)، إلى مقرّ “بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق”.

  1. أمّا حقوق البطاركة بحسب تشريع يوستينيانوس الأوّل (527 – 565) والقانون السادس من مجمع القسطنطينيّة الأوّل، فكانت تشمل، في ما تشمل، الدعوة إلى عقد المجامع المحليّة والإقليميّة وترؤّسها والإشراف على أعمالها وترؤّس المجمع البطريركيّ (أي السينودس). إنّ السلطان البطريركيّ يندرج في إطار السلطان الأسقفيّ وليس مختلفًا عنه بطبيعته. أمّا النظام المجمعيّ ضمن إطار البطريركيّة فيقوم على مفهوم الشركة الكنسيّة المعاشة في الكنيسة المحليّة. وتتجلّى هذه المجمعيّة الأسقفيّة في الكنيسة البطريركيّة مع ما تستوجبه من مشاركة فعليّة في المسؤوليّة في إطار انعقاد سينودس أساقفتها.
  2. والمجمعيّة هي السبيل الذي سلكته الكنيسة الأولى منذ مجمع أورشليم سنة 49[5]. انّها التئام لأساقفة الكنائس المحليّة في مجامعٍ دُعِيَت سينودسات. أمّا السينودس فلفظة يونانية تعني السَيْر معًا، ومرادفها في اللغة العربيّة “المجمع”. على غرار مجمع أورشليم، كانت الكنائس المحليّة منذ القرن الثاني تسير معًا على طريق المسيح، وتجتمع على مختلف الصعد لتصون مسيرتها الواحدة من الانحرافات. وكانت الكنائس تلتئم في مجامع إقليميّة ومسكونيّة لمعالجة مختلف الأمور العقائديّة والإداريّة المشتركة بينها. وتبدأ هذه الشركة بين الكنائس برسامة الأسقف التي كانت تتمّ دومًا على يدّ ثلاثة أساقفة، على الأقلّ، بعضهم من الكنائس المجاورة[6].

ولقد جرت العادة أن تلتئم في المناطق مجامع إقليميّة تضمّ أساقفة الكنائس المتجاورة. فكانت مجامع في أنطاكية، وفي رومة، وفي قرطاجة، وفي مدن أخرى. ولقد أمر مجمع نيقية أن يلتئم في كلّ إقليم مجمع إقليميّ مرّة كلّ سنتين[7].

  1. الأسقف هو سيّد أبرشيته، يسوسها بتقوى الله، ويرسم الكهنة والشمامسة، ويقوم بالخدمة. إنّما لا يجوز له أن يقوم بأيّ نشاط راعويّ خارج أبرشيّته من دون موافقة المطران المكاني. لذلك أوضح المجمع المعقود في أنطاكية من 327 إلى 341 العلاقة بين الأسقف المحلّي وسائر الكنائس الموجودة في المنطقة: “فعلى أساقفة كلّ إقليم أن يعرفوا أنّه على الأسقف المترئّس في عاصمة الإقليم (متروبوليس) واجب الاعتناء أيضًا بالإقليم كلّه نظرًا إلى أنّ جميع الذين لديهم أعمال يردون إلى العاصمة من كلّ صوب. ومن ثمّ قرّرنا أنّ للمتروبوليت الأولويّة في الكرامة، وفقًا للقانون القديم الذي أثبته آباؤنا على ألاّ يقوم بمعزل عنه سائر الأساقفة بأيّ عملٍ ما عدا ما يهمّ أبرشيّة كلّ واحد والأرياف المتعلّقة بها”. أمّا القانون 34 من القوانين المدعوّة قوانين الرسل والذي يبدو أنّه يعود إلى السنة 381 فلقد أورد ما يلي: “فعلى الأسقف أن لا يفعل شيئًا دون موافقة الجميع. كما على الأساقفة أن يعرفوا الأسقف الأوّل في ما بينهم ويعتبروه رأسًا وألاّ يفعلوا شيئًا من دون الأخذ برأيه…”[8].
  2. إنّ “المجامع المسكونيّة” هي التعبير الأكثر شموليّة عن الشركة في الإيمان بين كلّ الكنائس المحليّة. تهدف هذه المجامع إلى توطيد أواصر الوحدة بين مختلف الكنائس المحليّة. فالمجمعيّة، بشكلها الإقليميّ أو المسكونيّ أو الأسقفيّ، دليل قاطع على رابط الإتّّحاد الذي يجمع الأساقفة في ما بينهم، وعلى شركة المحبة الأخويّة التي تخيّم على علاقتهم المتبادلة وعلى غيرتهم على الرسالة الشاملة، أي وديعة الرسل التي توجّه تحرّكاتهم وتُلْهم قراراتهم. فكلّ واحد منهم، بحكم مسؤوليّته عن كنيسته الخاصّة، يشترك مع سائر الأساقفة في المسؤوليّة عن الكنيسة الجامعة في اتّحادٍ تام مع أسقف رومة والبطريرك[9].
  3. لقد أدخل المجمع اللبنانيّ المنعقد في دير سيّدة اللويزة سنة 1736 إصلاحًا ضروريًّا في حينه على البنية البطريركيّة المارونيّة تلبيةً لحاجاتٍ راعويّة جديدة، فأنشأ أبرشيّات ذات كيان قانونيّ وجعل على كلّ واحدةٍ منها مطرانًا ذا ولايةٍ شرعيةٍ عليها، وفرض عليه ضمن النطاق البطريركيّ، أن يقيم في أبرشيّته[10]، بدلاً من أن يبقى الأساقفة ملتئمين حول السيّد البطريرك يدبّرون الرعيّة باسمه كنوّابٍ له يستمدّون سلطانهم منه بالتفويض وهذا ما أضعف سلطة البطريرك المركزيّة. ولم يأخذ المجمع المذكور التدابير الكافية للحفاظ على الوحدة العضويّة التي كانت تربط الأساقفة بالبطريرك بل اكتفى بالإقرار له ببعض الامتيازات التي تعزّز سلطته على حساب المشاركة الأخويّة في الرعاية[11].
  4. إنّ الكنيسة، من حيث هي سرّ الشركة، تتجلّى بشكلٍّ خاص في العمل المجمعيّ؛ والهيكليّة المجمعيّة تقود إلى وعيّ مستمرّ لحقيقة الكنيسة الشركة. فمن الضروريّ التركيز على أهميّة الروح المجمعيّة، فلا تكتفي كلّ أبرشيّة بعيش مهمّاتها وهمومها، بل تحمل أيضًا همَّ الأبرشيّات الأخرى وتطلّعاتها. لذلك يمكن أن تعتبر الحياة المجمعيّة اليوم، وإلتفاف الأساقفة حول السيّد البطريرك للاطّلاع معه بالمسؤوليّة الواحدة في الرسالة المسيحيّة داخل النطاق البطريركيّ  إنجازًا راهنًا، كما يُشكّل المحافظة على هذا الروح في النطاق البطريركيّ وفي بلدان الانتشار التحدّي الأكبر الذي تواجهه كنيستنا مستقبلاً.

ثانيًا: الوضع الراهن

  1. تتألّف السلطة العليا في الكنيسة البطريركيّة المارونيّة من البطريرك ومجمع الأساقفة وتشكّل المرجع الصالح لمعالجة جميع الشؤون الكنسيّة[12] وإنشاء أبرشيّات جديدة وانتخاب الأساقفة ضمن حدود النطاق البطريركيّ[13].
  2.  أمّا البطريرك فهو أسقف، مُنتخب، مُرتسم ومُنصّب بحسب القانون راعيًا لكرسيٍّ محدّد هو كرسيه البطريركيّ. وهو يدير بهذه الصفة أبرشيّته المحليّة بقوّة سيامته الأسقفيّة، وسلطان خاصّ ومألوف ومباشر، وبصفته البطريركيّة على كنيسته البطريركيّة الخاصّة فهو أب لها ورئيس يمارس سلطانًا حقيقيًّا وفقًا للقوانين الكنسيّة في إطار الهيكليّة المجمعيّة وبحسب روحيّة القانون 34 من قوانين الرسل[14]. تعود إلى البطريرك ممارسة السلطة التنفيذيّة والإداريّة، بينما السلطة التشريعيّة في الكنيسة البطريركيّة منوطة بسينودس الأساقفة. والبطريرك هو الذي يحرص على وحدة كنيسته ويحافظ عليها وعلى الشركة في الإيمان، والشركة في الرئاسة الكنسيّة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ ومع باقي الكنائس.

اتّخذ المجمع الفاتيكانيّ الثاني خطوة مهمّة نحو فهم الكنائس البطريركيّة وتقدير تراثها ووجودها فوصفها بأنّها قلادة ثمينة في عنق الكنيسة؛ وأقرّ بوجوب المحافظة عليها بكلّ اهتمام. واعترف للبطريركيّات بما كان لها من حقوق منذ الألف الأوّل استنادًا إلى ما أقرّته المجامع المسكونيّة الأولى بعينها[15].

  1. تتفاعل البطريركيّة المارونيّة اليوم مع واقعين مختلفين ومتداخلين، أوّلهما الشركة الكنسيّة الكاثوليكيّة على الصعيد اللبنانيّ وضمن النطاق البطريركيّ والمشرقيّ المتمثّلة بمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وفي الشرق، وثانيهما الانتشار المارونيّ في العالم.

فالشركة على الصعيد اللبنانيّ وعلى صعيد النطاق البطريركيّ تدفع كنيستنا، كسائر الكنائس الكاثوليكيّة، إلى العمل المشترك لمعالجة المسائل الحيويّة على اختلافها بروحيّة موحّدة. أمّا الانتشار المارونيّ العالميّ فيستوجب المزيد من الوعي والأمانة والتأوين لشخصيّتنا الكنسيّة الخاصّة في أبعادها المختلفة.

  1. وتُظهِر التجربة اللبنانيّة، بشأن الوحدة الكنسيّة في التعدّدية، البعد الكاثوليكيّ للشموليّة في الكنيسة المارونيّة فتذكرنا أنّنا موارنة منتمون إلى الشركة الكاثوليكيّة وإلى كنيسة المسيح الواحدة. ففي نداء السينودس الأخير من أجل لبنان دُعي أساقفة لبنان الكاثوليك “إلى إقامة هيكليّات توثيق بين الكنائس بشكلٍ دائمٍ وتطويرها حيث هي قائمة، وذلك على جميع مستويات حياة كنائسنا، تحت سلطة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان” اذ إنّها تدفع المسؤولين إلى التشاور مع احترام التنوعيّة والولايات المختصّة[16] وتدعوهم إلى بناء جسد المسيح بروح كنسيّة حقّة. وأضاف الأساقفة: “نودّ أن نعمّم هذا التشاور والتعاون الأخويّ وأن نكثّفهما”[17]. ولمّا كان قداسة البابا قد دعا البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان إلى المزيد من التنظيم في سبيل الخير المشترك، ركّز السيّد البطريرك بدوره، في إطار تجدّيد بنى الشراكة، على أهميّة إقامة شبكة مواصلات بين المرجعيّات الكنسيّة[18] وإعادة توزيع الأبرشيّات وفقًا لحاجات المؤمنين وإعادة تنظيم الدوائر الأسقفيّة والبطريركيّة[19].
  2. ولا بدّ من التشديد على أهميّة المركزيّة البطريركيّة ووحدة البنّية البطريركيّة المارونيّة في الشرق والغرب وتضافر الجهود من أجل تعزيز المجمعيّة الأسقفيّة التي تتجلّى في سينودس الأساقفة بصورة مميّزة والسعي إلى توثيق عُرى الشراكة بين الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة من جهة ومع الكرسيّ الرسوليّ من جهة أخرى. ولعلّ التحدّي الأكبر الذي يواجهنا اليوم يتمثّل في كون الغالبيّة من الموارنة قد أصبحت خارج النطاق البطريركيّ. وهذا واقع جديد نسبة إلى ما كان عليه الحال في المجمع اللبنانيّ المنعقد سنة 1736، الذي لم يُعنَ خارج لبنان، إلاّ بمعالجة مسألة الرسالة في سورية وقبرص لأنّه لم يكن لغيرها من الرسالات وجود آنذاك. أمّا اليوم وقد صار الموارنة منتشرين في أقطار الأرض، وأصبح لهم أساقفة في عدّة بلدان في العالم. فإنّ الكنيسة المارونيّة، المنتشرة انتشارا عالميًّا، مدعوّة إلى المزيد من وعيّ هذا الواقع الجديد وإلى درسه دراسة جدّية معمّقة، آخذة بعين الاعتبار مجمل المعطيات الجديدة والأبعاد المطروحة، من جغرافيّة وديموغرافيّة وثقافيّة وكنسيّة، بغية تنظيم رسالتها “لتمجيد الله وبنيان الكنيسة”[20]؛ ومدعوّة أيضًا، إلى تنظيمٍ علميٍّ دقيق يؤمّن التواصل والشركة لتحقيق وحدة البنّية البطريركيّة المارونيّة شرقًا وغربًا.
  3. لقد ميّز القانون الكنسيّ بين أبرشيّات النطاق البطريركيّ وأبرشيّات الانتشار. فألحق هذه الأخيرة بمجمع الكنائس الشرقيّة. كما أناط بالكرسيّ الرسوليّ مهمّة تعيين مطارنة الأبرشيّات المذكورة، تاركًا لمجمع أساقفة الكنيسة المارونيّة حقّ إنتخاب ثلاثة مرشّحين ليختار قداسة البابا منهم، أو من سواهم إذا اقتضى الأمر، أسقفًا. واذ تخضع أبرشيّات الانتشار لولاية السيّد البطريرك في ما يخصّ الشؤون الطقسيّة، فإنّ أساقفتها يرفعون تقريرهم كلّ خمس سنوات إلى الكرسيّ الرسوليّ في مناسبة زيارتهم الأعتاب الرسوليّة ويقدّمون نسخة عنه للسيّد البطريرك.

لا زال البطاركة الشرقيّون يسعون لكي تشمل سلطتهم أبناء كنائسهم في كل شؤونهم وحيثما وجدوا من الأمور التي تشغل الكرسيّ الرسوليّ لكي يجد لها الحلّ المناسب والضروري للمحافظة على ذاتيّة الكنائس الشرقيّة وهويتها.

ثالثًا: التطلّعات المستقبليّة

  1. تجمع بين الأبرشيّات المارونيّة والكرسيّ البطريركيّ شركة كيانيّة. لذا يستحيل أن تنشأ أبرشيّة مارونيّة مستقلّة عن الكرسيّ أو أن تقوم أسقفيّة مارونيّة منفصلة عن البطريركيّة وعن مجمع أساقفة الكنيسة المارونيّة، الذي يرعى وحده هذه الكنيسة، بالتالي:

‌أ.   فلا بدّ من توطيد الروابط الكنسيّة بالسيّد البطريرك وبالكرسيّ البطريركيّ انطلاقًا من حسّ الانتماء الكنسيّ العميق الكفيل بالحفاظ على هويّة الكنيسة المارونيّة.

‌ب. وبما أنّ الزيارات التي قام بها غبطة أبينا السيّد البطريرك إلى خارج لبنان قد بيّنت مدى تعلّق الموارنة ببطريركهم وبكنيستهم المارونيّة وأبرزت أهميّة الوسائل التي تغذّي الروابط وتفعّلها لمزيد من المتانة والثبات والاستمراريّة، وجب أن تكون هذه الزيارات دوريّة بالتنّسيق مع الأساقفة المحليّين. على ما يدعو إليه القانون العام الذي يحثّ على إجراء هذه الزيارة لكلّ الأبرشيّات كلّ خمس سنوات خصوصًا وأنّ تلك الواقعة في بلدان الانتشار أشدّ حاجة للزيارة من سواها.

  1. تتجسّد مسلّمات الهويّة المارونيّة وتتحقّق وحدتها ميدانيًّا باستنباط هيكليّات ثابتة وتبنّي تدابير عمليّة تقضي بإنشاء أمانة عامّة في الكرسيّ البطريركيّ برئاسة السيّد البطريرك الذي ينتدب أسقفًا أو كاهنًا كفؤًا لشغل منصب الأمين العام. ومن مهمّات الأمانة العامّة إنشاء الدوائر التي لم يلحظها الحقّ القانونيّ العام والخاصّ بغية تفعيل التجديد الروحيّ والإصلاح الإكليريكيّ والتعليم والبحوث والثقافة والتربية، والإنماء الاجتماعيّ والاقتصاديّ والحوار المسكونيّ (خاصة العمل المسكونيّ الإنطاكيّ) والحوار الدينيّ (خاصة الحوار الإسلاميّ – المسيحيّ). ويناط بهذه الأمانة العامّة مسؤوليّة متابعة نتائج المجمع البطريركيّ المارونيّ وقراراته والتحضير للمجامع اللاّحقة الواجب انعقادها كلّ خمس سنوات، وفقًا لما تنصّ عليه مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة.
  2. من حيث هي سرّ الشركة، تتجلّى الكنيسة، بصورة مميّزة، في العمل المجمعيّ لأنّ الهيكليّة المجمعيّة هي التي تولّد وعيًا مستمرًا لحقيقة الكنيسة الشرِكة. وهذا ما حرص عليه دائمًا مطارنة كنيستنا بالتفافهم حول رئيسهم وأبيهم البطريرك للنهوض معًا بأعباء المسؤوليّة الواحدة في إطار الرسالة المسيحيّة الشاملة ضمن النطاق البطريركيّ وخارجه. فالمجمعيّة في كنيستنا المارونيّة حالة روحيّة يضطلع بموجبها السيّد البطريرك بدور الرأس والأبّ في الوقت عينه، يمارس سلطته حسب القانون، بذاته أو مع المجمع الدائم أو مع المجمع العام. من هنا فإنّ المجمع البطريركيّ المارونيّ حريص على:

‌أ.      تفعيل عمل مجمع الأساقفة بإحياء دوره التشريعيّ وتطوير منهجيّة عمله.

‌ب. تنشيط “الحياة المجمعيّة” في كلّ أبرشيّة وحثّها على المشاركة بفعاليّة أكبر في رسالة الكنيسة المارونيّة وتسهم في تنشئة الإكليروس المارونيّ على روحانيّة إرساليّة ديناميّة.

‌ج.   التضامن على مستوى القدرات البشريّة والتضامن على المستوى الماديّ:

  • التعاون الأخويّ والتنسيق والاستشارة (توزيع الكهنة، الحياة الليتورجيّة،…)،
  • تكثيف روحانيّة الحياة المشتركة على كلّ الصعد وإعطاء الأولويّة لهذه الشركة بين الأساقفة،
  • التخطيط المشترك استنادًا إلى دراسات معمّقة ودقيقة عن الواقع المعيوش في الرعايا والالتزام معًا بالأمور الأكثر أهميّة والأكثر إلحاحًا.

من هذا المنطلق ارتأى المجمع البطريركيّ تأسيس دائرة بطريركيّة لهذه الغايـة تعنى بتنسيق تبادل الخبرات والأفكار وتأمين بعض الحاجات المشتركة للأبرشيّات التي عليها بدورها أن تتشارك في السعي لحلّها. إنّ التنسيق يولّد تضامنًا على مستوى القدرات البشريّة والماديّة وهو علامة تواضع وعربون مودّة ومحبّة الله والكنيسة.

‌د.  إعادة النظر في الحدود الجغرافيّة للأبرشيّات في لبنان نظرًا إلى التطوّر الديمغرافيّ والنـزوح من الأرياف إلى المدن ونتائج التهجير. إذ تضخّمت أبرشيّات وصغرت أخرى، ممّا خلق مشكلة على مستوى الخدمة الرعويّة[21].

‌ه.   إنشاء المزيد من الأبرشيّات عند الحاجة، من أجل خدمة رعويّة أفضل. لذلك يعتبر المجمع أن اللجنة القائمة حاليًّا في بكركي والموكول إليها هذا الأمر ضروريّة ولا بدّ من تفعيلها.

‌و.     تعزيز اللقاءات الدوريّة لمطارنة الانتشار:

  • بحسب المناطق واللغة كتجمّع كنائس أميركا الشماليّة أو الكنائس المتكلّمة بالإسبانيّة أو بالإنكليزيّة مثلاً مع إمكانيّة عقد مؤتمر دوريّ في أحد بلدان الانتشار أو لقاء المطارنة مع بعضهم بمناسبة رياضة الأساقفة السنويّة في لبنان[22]، وذلك قبل الاجتماع أو بعده لتدارس الأوضاع ووضع خطّة مشتركة وتبادل الهموم والآراء والخبرات.
  • الانخراط في المجالس الأسقفيّة في بلدان الانتشار والتعاون معها في كافة الأمور. فالأساقفة الموارنة في بلدان الانتشار هم أعضاء في مجلس المطارنة الكاثوليك في البلدان التي يقيمون فيها[23].

بناء على كلّ هذه الاعتبارات يرى المجمع البطريركيّ المارونيّ أنّ إنشاء الدائرة البطريركيّة لشؤون الانتشار ضمن الأمانة العامة[24] يلبّي حاجة ملحّة.

الفصل الثاني : في الأبرشيّة

أوّلاً: المعطيات التاريخيّة

  1. حتّى مطلع القرن الثامن عشر، لم تكن الكنيسة المارونيّة مقسّمة إلى أبرشيّات لها أساقفتها المقيمون فيها. بل كان المطارنة والأساقفة يقيمون في المقرّ البطريركيّ أو في الصوامع والأديرة المنتشرة في الجبال أو في بعض المدن مثل دمشق وحلب وقبرص. واقتصرت مهمّتهم على تمثيل السيّد البطريرك الذي كان يوفدهم لزيارة الرعايا، معزّزين برسالة منه.

ولم ينشأ المفهوم القانونيّ للأبرشيّة عند الموارنة إلاّ مع المجمع اللبنانيّ سنة 1736 الذي قسّم النطاق البطريركيّ إلى ثماني أبرشيّات[25]، وحدّد صلاحيّات المطارنة وواجباتهم[26] ومنها أن يقيم المطران في أبرشيّته حتّى يكون على ارتباط وثيق بالجماعة المؤمنة ويؤمّن لها الخدمة الفضلى.

لقد حدّد المجمع الفاتيكانيّ الثاني الأبرشيّة على أنّها “قسمٌ من شعب الله وُكِلَ أمر رعايته إلى أسقفٍ يقوده بالتعاون مع مجلسه الأبرشيّ، بحيث يرتبط براعيه ويجتمع في الرّوح عن طريق الإنجيل والإفخارستيا، كنيسةً خاصة تكون حاضرة حقًّا وعاملة فيها كنيسة المسيح الواحدة المقدّسة الرسوليّة الجامعة”[27].

ومن أبرز مقرّرات المجمع المذكور فهمه للكنيسة على أنّها “شعب الله” وللأبرشيّة على أنّها جزء أو قسم من شعب الله يُعهد برعايتها إلى الأسقف يعاونه “كهنة”. واعتبر المجمع أنّ سلطة الأسقف مستمدّة من المسيح، فالأسقف الأبرشيّ “يسوس الأبرشيّة كنائب ومندوب المسيح”. اذًا المسيح هو ينبوع السّلطة الأسقفيّة “التي هي بحسب القانون الكنسيّ خاصّة ومألوفة ومباشرة”. وهي، نابعة بالدرجة الأولى من سيامة الأسقف[28] حتّى وإن خضعت نهائيًّا للسلطة الكنسيّة العليا من حيث الممارسة.

ثانيًا: الوضع الرّاهن

  1. إنّ مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة المرعيّة الإجراء منذ سنة 1991، تنظّم الأبرشيّة في هيكليّة مؤسّساتيّة متكاملة وتحدّد حقوق الأسقف الأبرشيّ وواجباته، كما ترسم أطر التعاون بين الأسقف والكهنة والعلمانيّين لخدمة شعب الله.

وتتألّف الهيكليّة المؤسّساتيّة من أشخاص ومجالس، محدّدة مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة. وقد وضع أنظمتها الداخليّة الشرع الخاص بالكنيسة المارونيّة. تمدّ العناصر البشريّة والمجالس الأسقفيّة المطران بالعون في رعاية أبرشيته (ق243 بند1)، فتمكّنه من انجاز النشاطات الرعويّة وأعمال الرسالة وتنظيم خدمة التعليم والتقديس والتدبير، وإدارة الأموال الزمنيّة، وممارسة الشؤون القضائيّة[29].

  1. أمّا الأشخاص الذين يؤلّفون دائرة الأبرشيّة ويقومون بوظائف خاصّة بها، فإنّهم بحسب القانون 243 بند 2:

‌أ.   النائب العام: وجوده واجب في الأبرشيّة، لأنّه يتمتّع، بحكم وظيفته، بسلطانٍ مألوف ونيابيّ، يمارسه بالنيابة عن الأسقف، وفق أحكام الشرع العام، وهو بذلك يساعده في إدارة الأبرشيّة بكاملها (ق 245).

‌ب. النوّاب الأسقفيّون: يعيّنهم الأسقف ويولّيهم سلطانًا مماثلاً لسلطان النائب العام على جزء محدّد من الأبرشيّة أو في قطاع معيّن أو تجاه مؤمنين مسيحيّين من كنيسةٍ أخرى ذات حقّ خاص، وفقًا لأحكام الشرع العام.

‌ج.  النائب القضائيّ: هو كاهن يعيّنه الأسقف ليمارس من خلاله سلطته القضائيّة، علمًا أنّ الأسقف يستطيع ان يمارسها بنفسه. كما يعيّن قضاة لمحكمته الابتدائيّة، إذا وُجدت (انظر ق 191 بند2، ق 1066). ويحدّد الشرع العام صلاحيّات النائب القضائيّ ومهامه في محكمة الأبرشيّة الابتدائيّة وأصول توزيع العدالة فيها بالتعاون مع قضاتها[30].

أمّا إذا كانت الأبرشيّة تشارك أبرشيّات أخرى في تأليف محكمةٍ إبتدائيّة موحّدة (ق 1067) أو في محكمةٍ إبتدائيّة مشتركة بين أبرشيّات من كنائس مختلفة (ق 1068)، فلا يحقّ لها إنشاء محكمة أبرشيّة مجلسيّة (ق 1067 بند 3)، بل تحتفظ بمحكمتها المؤلفة من قاضٍ منفرد مفوّض ومحامٍ عن العدل ومحامٍ عن الوثاق ومُسجِّل للنّظر في القضايا العائدة إليها شرعًا[31].

‌د.   رئيس القلم: يحمل صفة مُسجّل رسميّ ومهمّته السّهر على تسجيل الأعمال وتبليغها وحفظها في خزانات الدّائرة. ويُعنى بشكلٍ خاص بأعمال الدّائرة ومحفوظاتها، وبجميع المستندات والصّكوك الخاصّة بالأبرشيّة والكاتدرائيّة والكنائس الرعائيّة (ق 261).

‌ه.   القيّم الأبرشيّ: وجوده واجب في دائرة الأبرشيّة. وهو يدير، بتوكيل من الأسقف، أموال الأبرشيّة الزمنيّة ويضبط إدارة الأموال في رعاياها ويعتني بحفظها وحمايتها وتنميتها، والتعويض عن إهمال المسؤولين المحليّين الإداريّ. كما يهتمّ بالأموال الكنسيّة التي يعيّن لها الشرع مسؤولاً (ق 262) ويتعاون مع مجلس الشؤون الاقتصاديّة (ق 263) الذي هو عضو فيه بحكم المنصب (ق 263 بند2). يحدّد الشرع العام صلاحيّات القيّم الأبرشيّ وقواعد إدارته، كما يحدّد مهام هذا المجلس وصلاحيّاته.

‌و.  أشخاص آخرون لوظائف دائرة الأبرشيّة: ينصّ القانون 243 بند2 على أن يعيّن مطران الأبرشيّة أشخاصًا آخرين لشغل الوظائف العائدة إلى الدائرة والموزّعة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة ومنها، على سبيل المثال، شؤون الكهنة (ق 192 بند4 و5)، العمل المسكونيّ (ق 192 بند2)، الدعوات الإكليريكيّة (ق 195)، التعليم المسيحيّ (ق 196)، إعداد المؤمنين لقبول الأسرار (ق 197 و783)، تعزيز رسالة العلمانيّين والمنظّمات الرسوليّة (ق 203)، حفظ التراث والفنّ الكنسيّ (ق 887)، واستعمال وسائل الإعلام (ق 651).

  1. المجالس والهيئات: هي مؤسّسات قانونيّة لها صلاحيّات استشاريّة وتقريريّة يعجز الأسقف، عن ممارسة بعض صلاحيّاته الراعويّة والكنسيّة والاجرائيّة والاداريّة والقضائيّة من دونها. ولقد وضع الشرع الخاص بالكنيسة المارونيّة أنظمتها الداخليّة. هذه المؤسّسات هي:

أ. المجلس الكهنوتيّ (ق 264 – 270)

إنّه يمثّل الجسم الكهنوتيّ الملتفّ حول الأسقف، وهو بمثابة مجلس شيوخ مؤلّف من كهنة الأبرشيّة، معاونيّ الأسقف، الذين يمدّونه بالمشورة والمؤازرة في ما يتعلّق برعاية الأبرشيّة[32].

أمّا صلاحيّات المجلس الكهنوتيّ ومهامه والأمور الاداريّة والرعويّة الدّاعية إلى استشارة المجلس، فتحدّدها مجموعة القوانين وينصّ عليها النظام الداخليّ[33]. تجدر الإشارة إلى أنّ الأسقف ليس ملزمًا بالانصياع إلى آراء أعضاء المجلس، حتّى وإن أجمعوا، لكنّه يلتزم أدبيًا بها فلا يحيد عنّها من دون سببٍ راجح ولاسيّما إذا كانت آراء أعضاء المجلس متطابقة (انظر ق 934 بند 2/3). إلى ذلك، فإنّه من واجب الأسقف الأخذ بمشورة أعضاء المجلس خلال اجتماع رسميّ يدعوهم جميعًا إليه، ولا يجوز أن يتجاوز مشورة المجلس في الأمور التي يحدّدها القانون.

ج. هيئة المستشارين الأبرشيّين (ق 271)

إنّها هيئة تمثيليّة لكهنة الأبرشيّة يختار الأسقف الأبرشيّ أعضاءها من بين أعضاء المجلس الكهنوتيّ، وتوكل إليها مهام وصلاحيّاتٍ استشاريّة وتقريريّة يحدّدها الشرع العام في مختلف مضامينه، وينسّقها الشرع الخاص في النّظام الداخليّ.

إنّ إنشاء هيئة المستشارين الأبرشيّين واجب على أسقف الأبرشيّة إذ لا تستقيم وتكتمل أعماله الإداريّة من دونها. فغالبًا ما يحتاج الأسقف في قضايا محدّدة في الشّرع العام إلى طلب رضى المستشارين[34]، أو السّماع إلى آرائهم[35]. كما تتمتّع بصلاحيّات قانونيّة تمارسها في حال شغور الكرسيّ الأبرشيّ أو إعاقته[36].

د. المجلس الراعوي الأبرشيّ (ق 272 – 275)

إنّه هيئة كنسيّة استشاريّة تعضد مطران الأبرشيّة في رسالته، وتُسهم معه في التّبشير بالانجيل وتقديس النفوس وتدبير رعاية الجماعة المؤمنة. يُعنى هذا المجلس بإطلاق الأعمال الرعويّة في الأبرشيّة وتنشيطها وتقويمها واقتراح مبادرات عمليّة بشأنها (انظر ق 272 و273) منها مثلاً ما يتعلّق بشؤون الأسرة والشبيبة، والتربية، والنشاط الراعويّ والاجتماعيّ، والاحصاء والتوثيق، والاعلام والعلاقات العامة، التخطيط والمشاريع.

يتألّف المجلس من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيّين يمثّلون مختلف الفئات والمنظّمات الرسوليّة والجمعيّات الثقافيّة والاجتماعيّة، ولذلك فهو خير وسيط للقيام بالعمل الرسوليّ المشترك وتجسيد الشركة الكنسيّة التي يشكلّ الأسقف مبدأ وحدتها[37].

  1. أمّا الهيكليّة المؤسّساتيّة في أبرشيّات الانتشار فتنفتح على آفاقٍ وأبعادٍ إضافيّة خارجيّة وداخليّة:

أ) الآفاق والأبعاد الخارجيّة الضروريّة لحفظ الهويّة المارونيّة ثلاث:

  • الارتباط بالكنيسة البطريركيّة من خلال الكرسيّ البطريركيّ وشخص البطريرك، بحيث تغرف كنيسة الانتشار المحليّة من تراث الكنيسة البطريركيّة الأمّ، الروحيّ واللاهوتيّ واللّيتورجيّ والثقافيّ وتقدّم بدورها خبرتها والتزامها في عيش هذا التراث في مجتمعات جديدة.
  • الارتباط بالكنائس الكاثوليكيّة من خلال كرسيّ روما بحيث تبشّر كنيسة الانتشار بالإنجيل كلّ إنسان في كلّ مكان من خلال اشعاع ميزتها المشرقيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة مما يقتضي مبادرات تعاون مع الكنائس المحليّة في بلدان الانتشار.
  • الارتباط بلبنان حيث كيان الكنيسة المارونيّة وتراثها وتاريخها وتنظيمها، ومقرّ البطاركة ومركز الكرسيّ البطريركيّ، وفيه القدّيسون الموارنة والأماكن المقدّسة والأديار والشهادة. مثل هذا الارتباط “بالوطن الروحيّ” يستتبع إعداد آليّة تنظيميّة تعمل على تمكين الاكليريكيّين والكهنة من الإقامة، ولو لمدّة محدودة، في لبنان للتعمّق في الجذور المارونيّة، وعلى ترتيب رحلات تثقيفيّة للشباب إلى لبنان وسورية الشماليّة. كما يفترض أن تسعى إلى إرهاف الحسّ بالشأن الوطنيّ اللبنانيّ لدى الموارنة المنتشرين وتهتمّ بإحصائهم كمًّا ونوعًا وتسجيل المولودين في الخارج لدى البعثات الديبلوماسيّة للحفاظ على جنسيّتهم الأصليّة.

ب) الآفاق والأبعاد الداخليّة: صحيح أنّ للهجرة وجهًا سلبيًّا، لكنّ لا يجوز، بحكم المسؤوليّة الرعويّة، أن نتغاضى عن وجهها الإيجابيّ بل علينا أن نفيد منه ونحن على عتبة فجرٍ جديدٍ يطلع على الكنيسة المارونيّة ولبنان. من هنا وجوب تحليل واقع الهجرة في أبعاده المختلفة من أجل التخطيط لعمل رعويّ ملائم، وتفحّص أسباب اندماج الموارنة في الثقافة المحليّة والكنيسة اللاتينيّة حتّى الاستيعاب وضياع الهويّة، بغية إزالة هذه الأسباب. ولا بدّ أيضًا من الاستجابة لرغبة الموارنة المنتشرين في بناء جماعات إيمان وكنائس رعائيّة حيثما هاجروا واستقرّوا تتيح لهم أن يمارسوا طقسهم المارونيّ السريانيّ الإنطاكيّ وينقلوا إيمانهم إلى أولادهم ليكونوا شهودًا ليسوع المسيح في محيطهم الجديد، على غرار ما قام به أجدادهم.

ثالثًا: التطلّعات المستقبليّة

  1. في الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” يحثّ قداسة البابا الأساقفة على القيام بفحص ضميرٍ صريح وتجديد التزامهم عن طريق توبةٍ شخصيّة في سبيل تقديس المؤمنين[38]، والمجمع البطريركيّ المارونيّ مناسبة إضافيّة لفحص الضمير والتجديد لخير الكنيسة المارونيّة جمعاء.
  2. لقد حثّ السيّد البطريرك الأساقفة على تطبيق ما نصّت عليه مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة في ما خصّ الهيكليّة المؤسّساتيّة للأبرشيّة[39] فتجاوب الأساقفة ونظّم الكثيرون العمل في أبرشيّاتهم، ممّا ولّد تعاونًا ملموسًا بين كهنتها وأدّى إلى إشراك العلمانيّين وتفعيل دورهم في الأبرشيّة. ويبقى تأهيل الكوادر العاملة في دوائر الأبرشيّة وتدريبهم على اكتساب المهارات وعلى العمل ضمن فريق، علمًا أنّ لكلّ أبرشيّة معطيات خاصّة تميّزها عن غيرها وإنّ العناصر البشريّة ليست متيسّرة أحيانًا. من هنا، ضرورة أن يأخذ كلّ أسقف معطيات أبرشيّته وقدراتها وحاجاتها بعين الاعتبار فتأتي التدابير الإداريّة متناسبة والقدرات والحاجات. ورغم أنّ مجموعة القوانين صارت ملزمة منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة، فإن بعض الأبرشيّات المارونيّة لا تزال حتّى تاريخه تسعى إلى الإلتزام بها في هذا المجال.
  3. تشكّل الهيكليّة المؤسّساتيّة في الأبرشيّة وسيلة تمكّن الأسقف من تحقيق التزامه الدائم بإعلان إنجيل المسيح، لخلاص العالم، وسط حاجات ماسّة وجديدة تدعو إلى مشاركة جميع قوى شعب الله الحيّة: الكهنة والشمامسة معاونيهم، والمكرّسين والمكرّسات المدعوّين ليكونوا في الكنيسة والعالم شهودًا يعلنون أوليّة الله في الحياة المسيحيّة، اضافة إلى المؤمنين العلمانيّين الذين يمدّون الرعاة بالعضد والقوّة، من خلال إمكانات عملهم الرسوليّ الكبيرة[40]. إذا الكلّ مدعوّ، بحكم المعموديّة والتثّبيت والدرجة المقدّسة، ليكون العلامة الحيّة ليسوع المسيح المعلّم والكاهن والراعي.

وتجسّد الهيكليّة المؤسّساتيّة الشركة في الكنيسة، التي تقود الأسقف إلى اعتماد نهج رعويّ منفتح على التعاون مع الجميع، فيتمكّن حقًا من أن “يسوس أبرشيّته، بممارسة سلطته وسلطانه المقدّس، وبمشوراته وتوصياته ومثله”[41]. وتتّخذ هذه الشركة صورة الدائرة المتمحورة حول الأسقف الذي يشكّل نقطتها المركزيّة في ما يتّخذ من قرارات، بحكم مسؤوليّته الشخصيّة، لخير الكنيسة الموكولة إليه. أمّا محيط الدائرة فالقوى الحيّة المذكورة أعلاه[42].

  1. إنّ هذه النظرة الشاملة إلى ما تحقّق من نجاحات وضاع من فرص في لبنان والنطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار، لكفيلة بأن تجعل الكنيسة المارونيّة كنيسة رجاء وثقة، لا كنيسة خوف وتشاؤم. ولعلّ كلّ هذا يؤكّد الحاجة الحيويّة إلى هيكليّة مؤسّساتيّة في الأبرشيّات المارونيّة.
  2. إنّ المجمع البطريركيّ المارونيّ يضعنا في عنصرة جديدة وأمام تحدٍّ كبير هو “استحقاق مارونيّة الأزمنة الجديدة” الذي يتطلّب استحداث جميع الوسائل الممكنة للحفاظ بأمانة على الهويّة المارونيّة ونقل الوديعة من جيل إلى جيل وبسطها وشرحها والعيش بموجبها. لكلّ هذه الأسباب باتت الهيكليّة المؤسّساتيّة في كلّ أبرشيّة مارونيّة، في النطاق البطريركيّ وفي بلدان الانتشار، ضرورة على الصعيدين الرعويّ والقانونيّ في كنيسة السرّ والشركة والرّسالة.

الفصل الثالث : في الرعيّة

أوّلاً: المعطيات والثّوابت التاريخيّة

  1. “الرعايا هي الخلايا الأساسيّة في الجسم الكنسيّ، هي أجزاء من شعب الله، “تمثّل، نوعًا ما، الكنيسة المرئيّة القائمة على الكرة الأرضيّة”؛ وهي مكان للإضطّلاع برسالة جماعيّة، لأنّها تضمّ في حضنها فئات بشريّة متعدّدة، بلا تمييز في السنّ أو في المقام الإجتماعيّ، لتُدخلها في الكنيسة جمعاء”[43].

لقد وُجدت هذه الخلايا في الشرق منذ القرن الرابع للميلاد؛ وفي الكنيسة المارونيّة كانت قائمة قبل تاريخ انعقاد مجمع قنّوبين سنة 1580، لكن في غالبيّة الأحيان تحت شكل كنائس عائليّة، أيّ من غير أن تكون منظّمة على النحوّ الذي نشهده اليوم. وقد أكّدت المجامع المارونيّة اللاّحقة أخصّها المجمع اللبنانيّ (1736)، على قيام مؤسّسة الرعيّة وتطوّرها وذلك من خلال تحديد دور الكاهن وعلاقته بأبناء رعيته من جهة وبمطران أبرشيّته من جهةٍ أخرى؛ أمّا سائر البُنى الرعويّة فلم تأتِ المجامع على ذكرها.

والحقّ يُقال أنّ الهيكليّات والتنظيمات لم تنشأ في الرعايا المارونيّة إلاّ مع صدور وثائق المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني الذي حثّ العلمانيّين على الإنخراط في الحياة الرعويّة من خلال الإشتراك الفعليّ في المنظّمات الرسوليّة والمجالس الرعويّة. ولربّما كانت لجان الأوقاف هي البنّية الوحيدة التي عرفتها الكنيسة المارونيّة خلال النصف الأوّل من القرن العشرين.

  1. سوف نسبر في هذا القسم أوضاع الرعيّة المارونيّة بشكلٍ عام[44]، قبل أن نتطرّق إلى البُنى الرعويّة الأساسيّة القائمة حاليًّا في رعايا الكنيسة المارونيّة لنعاين واقعها الحقيقيّ ونطرح اقتراحات قد تُسهم في إطلاق عمليّة التجدّد وذلك في سبيل تعميق الرسالة ومواكبة تطوّر العصر والشهادة الحيّة من خلال التزام الموارنة بالإيمان وبقضيّة الإنسان.

ثانيًا: في الرعيّة بشكلٍ عام

  1. بالرغم من ضيق الرقعة الجغرافيّة التي تنتشر فيها الرعايا المارونيّة في النطاق البطريركيّ، فإنّ التنوّع الاجتماعيّ يميّز بعضها عن بعض. ومع إنّ الرعايا المدينيّة تختلف عن الرعايا الرّيفيّة، فإنّنا نستطيع أن نستشفّ وجه الشبه بينهما. غير أنّ الفوارق بينهما هو الأبرز لأنّ نمط الحياة في القرية بات عاجزًا، أمام تطوّر الحياة الاجتماعيّة، عن تلبية حاجات السكّان في مجالات العمل والخدمات والعلم… أو حتّى الترفيه. وقد أدّى التبدّل السريع في الحياة الاجتماعيّة إلى إفراغ القُرى من مُعظم سكّانها، ممّا زعزع أسس الحياة الرعويّة ومظاهرها من جهة، وأدّى إلى تضخّم المدن من جهة أخرى، تاركًا أثرًا عميقًا في كلّ مجالات الحياة ولاسيّما في المجال الرعويّ. فغدت الرعيّة التقليديّة بالتّالي في الوسط المدينيّ غير قادرة على استيعاب حاجات البشر الدينيّة ممّا يحتّم نشوء نشاط رعويّ يتوجّه إلى فئات المجتمع المختلفة في المدينة ويتعاطى معها.
    1. إنّ ظاهرة النّزوح المتنامي زعزعت الرعيّة في القرية، لا بسبب ما استتبعه هذا النّزوح من خلل في البنّية الديموغرافيّة والعلاقات والعادات الاجتماعيّة فحسب، بل أيضًا، بسبب ما يعود به النّازحون إلى قريتهم في أيام الصيف والعطل من قِيَم جديدة وأنماط عيش مستحدثة وغريبة عن أجواء القرية-الرعيّة الوادعة. وهذا من شأنه أن يشيع البلبلة في النفوس والعقول فضلاً عن موقف الرفض والإستياء الذي يجابه به أبناء القرية هذه القيم المستوردة. أمّا الانتقال من الجبل إلى السّاحل فله بدوره الأثر الكبير، ليس على القادمين فقط، بل على المستقبلين أيضًا، أبناء الرعايا الأصليّين، الذين غالبًا ما يجدون أنفسهم أقلّيّة في رعيّتهم. عندئذ يتّخذ الوسط الرعويّ معالم جديدة غالبًا ما تتّسم بالتنافر وعدم التجانس نظرًا لتباين الأوساط التي يفد منها القادمون.
    2. من الملاحظ أيضًا أن المؤمن في المدينة اليوم، يختار هو نفسه كاهنه. لعلّنا حتّى الآن لم نُعِدّ إعدادًا وافيًا، كهنة مؤهّلين للخدمة في رعايا المدينة. فهذه الرعايا الحديثة المتضخّمة تتطلّب كهنة جددًا ينخرطون في الجماعة الجديدة ويستخدمون طرائق جديدة للقيام برسالتهم. لقد غدت الرعايا في المدينة وكأنّها مراكز خدماتية فقط، يؤمّها العديدون ليقوموا بواجبهم الدينيّ، من غير أن يعرفوا الخوري أو يعرفهم أو أن يتعرّفوا على بعضهم بعضًا مما قد يحوّل الكهنة في ما عدا خدمة الأسرار، إلى موظّفين لا علاقة حقيقيّة لهم مع الشعب باستثناء قلّة من المؤمنين تتردّد بانتظام إلى الكنيسة وبيت الرعيّة.
    3. من جهة أخرى أصبحت الرعيّة المدينيّة مساحة جغرافيّة تشمل فيها ولاية الراعي أبناء كنيسته بصورةٍ أوّليّة لكنّها تطول أيضًا أشخاصًا غير موارنة يقصدونه بانتظام او حتّى غير مسيحيّين. فالرعيّة مدعوّة إذًا إلى أن تتواصل مع كلّ هؤلاء وتتعاون معهم ضمن هيكليّة عملٍ مشترك، في مجالات الحوار، وتعزيز القِيَم، وتنشيط أعمال المحبّة. وبما أنّه يوجد في نطاق رعايانا المختلفة جماعاتٍ أخرى وديانات أخرى، وأديار رهبان وراهبات وبيوت مكرّسين ومكرّسات، وصروح تربية وتعليم، وحركات وأندية متعدّدة (ثقافيّة، فنيّة، علميّة ورياضيّة)، لا يحقّ للرعيّة وهي جماعة الجماعات أن تنعزل أو تكوّن جزيرة، بل عليها أن تسعى إلى الإرتباط بعلاقة عضويّة مع الجماعات المتواجدة على أرضها وتمدّ الجسور لتتخطّى حدودها وتتعاون مع رعايا القطاع.
    4. أمّا في رعايا الانتشار، خاصّةً في المدن الكبرى، فالوضع يختلف بعض الشيء. قد يسعى المارونيّ عندما يحلّ فيها إلى التفتيش عن الكنيسة المارونيّة والكاهن المارونيّ الذي يمثّل في نظره إنتماءه إلى الكنيسة الأمّ وارتباطه بأرض الآباء والأجداد. وهو إذا تعرّف على مسيحيّين شرقيّين لا كنيسة لهم يهتمّ بدعوتهم إلى كنيسته المارونيّة. لذلك نرى الرعايا المارونيّة في الانتشار تتحوّل إلى رعايا للمسيحيّين وليس للموارنة فقط.

ثالثًا: لجنة الوقف

1. الوضع الرّاهن

  1. تشكّل لجان الوقف عنصرًا أساسيًّا في إدارة شؤون الرعيّة. فهي تسعى بالتّعاون مع الكاهن إلى بناء جماعةٍ رعويّة يجد فيها المؤمن فسحةً ومناخًا لعيش إيمانه. وقد أدّى نجاح العلاقة القائمة بين خادم الرعيّة ولجنة الوقف فيها إلى تطوّر وتجدّد في رعايا كثيرة. للجان الأوقاف إذًا فضل كبير في ما يتجلّى في قلب الرعايا من التزام روحيّ وكنسيّ من خلال الإهتمام الماديّ الذي يظهره أبناؤها.

من المؤسف في المقابل أن نسجّل، في بعض الرعايا، واقعًا بعيدًا عمّا يجب أن تكون عليه لجان الأوقاف بحسب الأنظمة الموضوعة لها فيطغى التمثيل العائليّ أو التعيين الوراثيّ، وتشكّل الإنتماءات والمحسوبيّات السياسيّة مقياسًا شبه حصريّ لاختيار وكلاء الوقف. أمّا الصراعات مع الكهنة فتطبع في بعض الأحيان العمل الرعويّ بطابع النّزاع والشّقاق حيث تتضارب سلطة الكاهن مع مطالب تتخطّى قدرات الوقف ويبرز تفرّد علمانيّ يرافقه عدم شفافيّة في إدارة الأموال وعدم إلتزامٍ جدّي بالقوانين بحيث تنصبّ الجهود فقط على كيفيّة تجميع الأموال. مثل هذا الغياب للبُعد الروحيّ- الكنسيّ وضعف الإنتماء الأبرشيّ يولدان مشاكل قد تطيح بكلّ نجاحٍ رسوليّ وشهادة مسيحيّة حقّة.

2. التطلّعات المستقبليّة

  1. لا يصحّ العمل الكنسيّ إلاّ باحترام “النّظام الداخليّ للجان الوقف في الرعايا” وتطبيقه عند تعيين اللّجان، والعمل على إقناع هذه الأخيرة بمضمونه ومساءلتها بشأن كلّ خللّ قد يطرأ على عملها.

وبما أنّ المسؤوليّات والحاجات في الرعيّة باتت في عصرنا كبيرة ومتشعّبة فإنّ الواقع يفرض علينا مأسسة اللجنة بطريقة علميّة تبدأ بتوعية أعضائها على المسؤوليّة الكنسيّة بأبعادها كافّة من خلال اجتماعات على مستوى القطاعات في الأبرشيّة وعلى مستوى الأبرشيّة بشكلٍ عام، على أن تتوفّر المتابعة من خلال إنشاء دائرة ماليّة في المطرانيّة للتّدقيق العلميّ في الحسابات (توحيد السجّلات) وتطبيق القوانين والأسس العلميّة في عمليّة تلزيم المشاريع، إضافة إلى اعتماد نظامٍ محاسبيّ موحَّد متطوّر يؤمّن شفافيّة الحسابات ويسمح بإبراز معلومات مفيدة للمجالس الرعويّة تساعدها في قراراتها الإداريّة والرعويّة والماليّة.

  1. إنّ الرعيّة مشروع بناءٍ متواصل، بشرًا وحجرًا؛ مما يفرض إيجاد إدارة للوقف مُنتجة وتخطيط زمنيّ يتخطّى إطار اللّجنة الواحدة، وتحديد مشروع مع برنامج قد يمتدّ إنجازه على سنوات وعلى مراحل وذلك بإدارة عقلانيّة شفّافة، تصوّب عملها بصراحة ودقّة نحو الأهداف الأربعة التي من أجلها اقتُنيَت الخيرات الكنسيّة أيّ العبادة الإلهيّة، أعمال الرسالة، أعمال المحبّة وتأمين عيش رعاتها تأمينًا صالحًا[45].
  2. إنطلاقًا من دعوة الإرشاد الرسوليّ الشباب إلى الانخراط في العمل الرعويّ والمسؤولين إلى الإهتمام بهم، فإنّه من المستحّب اختيار شباب ملتزمين وذوي كفاءة وخبرة لتطعيم اللّجنة بعضو (أو أكثر) من أبناء الرعيّة المقيمين وإشراك نساء كفوءات فيها تعزيزًا لدور المرأة على هذا الصعيد.

إنّ نجاح عمل لجنة الوقف يقتضي أن تُشكّل اللّجنة فريقًا متجانسًا، لا يشوبه شقاق لا بين العلمانيّين أنفسهم ولا بين العلمانيّين والكاهن. كما يقتضي تحقيق أهدافها، من تأمين حياة لائقة لكاهنها (راتب، تأمين مسكن لائق، ضمان الشيخوخة). ومساعدة المعوزين في الرعيّة بتخصيص نسبةٍ مئويّة لهم. والسهر على دفع ما يتوجّب للمطرانيّة مساهمة في مشاريعها لأنّ العمل الرعويّ مرتبط بالأبرشيّة، وهو عمل كنسيّ بامتياز. ولا تغفل اللّجنة أن تتمثّل في المجلس الرعويّ حتّى يتّخذ عملها بُعده الكنسيّ الكامل.

رابعًا: في المجلس الرعويّ

1. الوضع الرّاهن

  1. لا تزال فكرة المجالس الرعويّة خجولة، من حيث عددها وانتشارها. وقد يكون السبب في جهل أهميّتها ودورها على الصعيدين الإكليريكيّ والعلمانيّ. غير أنّ مفهوم الكنيسة ومسؤوليّة أبنائها المشتركة والقوانين الكنسيّة تقضي بإنشاء هيئة في كلّ رعيّة تضمّ مختلف العاملين فيها، بدءًا بالعمل الروحيّ إلى الرساليّ والرسوليّ، فالاجتماعيّ والإداريّ الماليّ، إذ يستحيل تأمين الإستمراريّة إلاّ من خلال لقاء جميع المسؤولين والملتزمين الرعويّين في هيئة واحدة تجتمع لتحمل هموم الرعيّة مع الراعي ويعمل أعضاؤها معًا من أجل بنيان الجسم الكنسيّ.

لكنّ الصعوبة الكبرى تكمن في ما يمكن أن يحصل من تداخل بين المجلس ولجنة الوقف وعدم إدراك لدورهما. وقد تنشأ مشاكل في تأليفهما نظرًا إلى هيمنة بعض العائلات في الرعيّة. وسبب ذلك هو غياب الروح الكنسيّ واللاهوتيّ عن مفهوم الرعيّة، بحيث تستعر نار الغيرة وتسدّ الطريق في وجه أيّ عمل وأيّ تعاون بين أبناء الرعيّة الواحدة. لكن لا بدّ، في عالم يعي أكثر فأكثر أهميّة العمل المشترك والتعاون، من تجميع القدرات وصهر الجهود في خليّة عمل تقدّم الدعم للراعي وتحمل معه هموم الرعيّة، مسهّلة عليه إنجازه لمهامه وسهره على القطيع. المجلس الرعويّ هو إذًا الهيئة الحاضنة لعمل الرعيّة الذي يطول مختلف المجالات ويتعاون فيه ويتكامل أبناء الرعيّة.

  1. يجب إذًا أن يُصار في الرعيّة إلى تهيئة مناخٍ ملائم ليس لتنشئة المؤمنين على أهميّة دور العلمانيّين بموازاة العمل الكهنوتيّ فحسب، بل أيضًا على الإنتماء الكنسيّ والمعنى اللاهوتيّ للجسم الكنسيّ، وضرورة التكامل في توزيع الأدوار في الرعيّة بين اللّجان العاملة فيها إلى جانب المنظّمات المستقلّة التي تقدّم من ناحيتها أيضًا شهادةً للعيش المسيحيّ وللعمل الكنسيّ. ويشرف المجلس الرعويّ على العمل الرعويّ وينظّمه ويحافظ على التوازن الحيويّ بين مختلف القطاعات وبذلك يسهم في إنعاش حياة الرعيّة فاسحًا في المجال أمام مختلف أبنائها ليتعاونوا في تأدية الرسالة.

2. التطلّعات المستقبليّة

  1. يعتبر تأسيس المجلس الرعويّ وتفعيله من الأولويّّات لتجديد الأعمال الرعويّة وتطويرها وتعميقها. أمّا تطبيق النظام الداخليّ المعمول به من خلال دراسة بنوده دراسة وافيّة عند تعيين المجلس، فهو أمر لا بدّ منه، تأمينًا لتنسيق النشاطات الرعويّة عمومًا.

ولمّا كانت الرعيّة لا تُبنى على قرارات اعتباطيّة، وجب العمل على بلورة مشروع رعويّ مبنيّ على ثوابت الكنيسة وواقع الرعيّة وضرورة تجدّدها بحيث يبرز الهمّ المسكونيّ والبعد العلائقيّ مع المواطنين غير المسيحيّين على أرضها.

  1. وبسبب تطوّر وتشعّب العلاقات الرعويّة، بات من المستحسن مأسسة الرعيّة أيّ أن تنشأ فيها أمانة سرّ رعويّة تتألّف من متطوّعين علمانيّين أو موظّفين، يدخل ضمن مهامها أرشفة موجودات الرعيّة ووثائقها وتنظيم أمورها، مع السّهر على ألاّ تتحوّل الرعيّة إلى مؤسّسة جامدة هجرها البعد الروحيّ والرسوليّ الذي يميّزها. وقد يفيد هذا التدبير التنظيميّ في مؤازرة الكهنة وتوجيههم نحو المزيد من الإعتناء بشؤون الرعيّة الروحيّة.
  2. تُشكّل الحركات الرسوليّة قلب الرعيّة النابض. على المجلس الرعويّ أن يحضنها ويوجّهها، روحيًّا وإنسانيًّا، ضمن مخطّطٍ منهجيّ يأخذ بعين الإعتبار مواهب المنظّمات وطرائق التبشير الجديدة وأعمار المنتسبين وتوجّهات الأبرشيّة والكنيسة والهموم الاجتماعيّة والوطنيّة في سبيل إلتزامٍ مسيحيّ حقيقيّ بشؤون الإنسان والمجتمع.

ويقوم العمل الرعويّ النّاجح على تضافر الجهود كلّها لتصبّ في خانة التعاون الكنسيّ الصحيح والمنتج رسوليًّا بين مختلف الجماعات الكنسيّة (الرهبانيّة، التربويّة، الثقافيّة…) والمنظّمات من جهة، ومع لجنة الوقف من جهة أخرى، ومع كلّ الشرائح غير الكنسيّة الفاعلة في حياة الجماعة الرعويّة.

  1. ورغبةً في توعية أبناء الرعيّة على مسؤوليّتهم في بناء رعيّتهم، خاصّة أمام تزايد الحاجات الماديّة، يصار إلى ابتكار وسائل جديدة للدعم الماليّ (مشروع “حصّة الكنيسة” مع العلمانيّين و المؤسّسات).

في عالمٍ سريع التطوّر، يطلب من الرعيّة إيجاد أساليب تواصل جديدة مع أبنائها المقيمين والمغتربين (زيارات، نشاطات، أعياد متنقلة في شوارع الرعيّة، لوحات إعلاميّة، موقع وعنوان الكترونّيان الخ…).

الرعيّة مشروع مؤسّساتيّ. من هنا ضرورة الإحصاء الدقيق لسكّانها، بالتعاون مع متخصّصين بالمعلوماتيّة فتأتي القرارات الرعويّة ملائمة ومفيدة للواقع الرعويّ.

خاتمة

  1. إنّ السعي إلى تجدّيد الهيكليّات والبُنى الكنسيّة يهدف حقًا إلى تحقيق شراكة أكبر وأوثق في قلب الكنيسة المحليّة البطريركيّة التي تتجلّى في أبهى صورها عبر المجمعيّة الأسقفيّة وشراكة في الكنيسة الخاصّة – الأبرشيّة، على أنّها “قسم من شعب الله” حيث لكلّ واحد دوره وموهبته في بناء الجسد إنطلاقًا من الدعوة المسيحيّة الواحدة المشتركة والتي للأسقف فيها المكانة الأولى في خدمة هذه الوحدة؛ ثم شراكة تُعاش في الرعيّة، فحيث يتواصل الأسقف والكاهن والمؤمنون تتجسّد الكنيسة وتتجلّى بأبهى صورها.
  2. إنّ عمليّة القبول هي التي أحيت الكنيسة وفعّلتها منذ البدء ثم ساعدت في انتشارها بدءًا بقبولها تعاليم المسيح والإنجيل، ثم بقبول ما يلهمه الروح القدس في واقعها المجمعيّ. أمّا قبول المجمع، على المستوى البطريركيّ والأبرشيّ والرعويّ فما هو سوى طريقة لتحقيق الشّركة التي هي جوهر الكنيسة. فالعمل المجمعيّ لا يتمّ إلاّ بعنصرة جديدة أيّ بفعل الرّوح القدس. فمن دونه تتحوّل الكنيسة إلى مؤسّسة تحكمها القوانين. وحده الرّوح القدس ينفح الحياة في بُنى الشراكة فيجعل من الكنيسة إطارًا لتجدّد الأشخاص كي يعيشوا حياتهم الروحيّة بفرحٍ والتزام شهادةً للمسيح القائم أبدًا من الموت.

 

توصيات النصّ وآليات العمل

الموضوع

التوصية 

الآليّة

1- البطريركيّة.

 

1- نظرًا إلى الواقع الجديد المتمثّل في انتشار الكنيسة المارونيّة، مع كلّ ما ينطوي عليه من أبعاد جغرافيّة وديموغرافيّة وثقافيّة وكنسيّة، يوصي المجمع بتنظيم علميّ دقيق من شأنه تأمين التواصل والشركة وتمتين البنية البطريركيّة المارونيّة الملائمة لانتشارها.

 

1-أ : تنظيم الزيارات التي يقوم بها غبطة البطريرك في لبنان وخارجه ومتابعتها بالتنسيق مع الأساقفة المحلييّن (مثلاً زيارات دوريّة كلّ خمس سنوات).

1-ب: إنشاء أمانة عامّة في الكرسيّ البطريركيّ برئاسة السيّد البطريرك، الذي ينتدب أسقفًا أو كاهنًا كفوءًا  لشغل منصب الأمين العام.

1-ج: في إطار الأمانة العامّة، إنشاء الدوائر المختصّة التي لم يلحظها الحقّ القانونيّ العامّ والخاص بغية تفعيل التجديد الروحيّ، والإصلاح الإكليريكيّ، والتعليم والبحوث والثقافة والتربية، والإنماء الاجتماعيّ والاقتصاديّ، والحوار المسكونيّ. 

2- المجمعيّة الأسقفيّة.

 

2- لأنّ سرّ الكنيسة الشركة يتجلّى بصورة مميّزة في العمل المجمعيّ، يشدّد المجمع على أهميّة الروح المجمعيّة لدى الأساقفة الموارنة وعلى التفافهم حول رئيسهم وأبيهم البطريرك للنهوض معه وبعضهم مع بعض بأعباء المسؤوليّة الواحدة في اطار الرسالة ضمن النطاق البطريركيّ وخارجه.

2-أ: تفعيل المجمعيّة الأسقفيّة من خلال إجتماعات الأساقفة الدوريّة، وتطوير منهجيّة عمل مجمع الأساقفة وفقًا للأنظمة الموضوعة لذلك.

2-ب: تضامن أساقفة الأبرشيّات على مستوى القدرات البشريّة والماديّة:

  • التعاون الأخويّ والتنسيق والإستشارة (توزيع الكهنة، الحياة الليتورجيّة…)
  • تكثيف روحانيّة الحياة المشتركة بين الأساقفة على الصعد الروحيّة والرعويّة.
  • التخطيط المشترك استنادًا إلى دراسات معمّقة ودقيقة وإلى تقارير للواقع المعاش في الرعايا، والإلتزام معًا بالأمور الأكثر أهميّة والأكثر إلحاحًا.
  • إنشاء صندوق مشترك بين الأبرشيّات.

2-ج: تعزيز اللقاءات الدورية بين مطارنة الانتشار ضمن تجمعات تراعي المناطق واللغة، مع إمكانيّة عقد مؤتمر دوريّ في أحد بلدان الانتشار أو إجتماع منتظم لمطارنة الانتشار بمناسبة رياضة الأساقفة السنويّة في لبنان.

3- إنشاء أبرشيّات وإعادة النظر في حدود البعض منها.

3- نظرًا إلى التطوّر الديموغرافيّ، ومن أجل خدمة رعويّة أفضل، يوصي المجمع بإعادة النظر في الحدود الجغرافيّة للأبرشيّات، وبنوع خاصّ في لبنان، إضافة إلى إنشاء المزيد من الأبرشيّات في النطاق البطريركيّ وفي بلدان الانتشار عند الحاجة.

3-أ: تفعيل اللجنة الموجودة لإعادة النظر في حدود الأبرشيّات القائمة مع تحديد جدول زمنيّ لعملها.

3-ب: توسيع صلاحيات اللجنة المذكورة لتشمل دراسة حاجات الأبرشيّات الجديدة، فتقترح إعادة النظر في حدودها من جهة، وإنشاء أبرشيّات جديدة مع المقدّرات الماديّة والحياتيّة لها من جهة أخرى.

4- الأبرشيّة/الهيكليّة المؤسّاتيّة للأبرشيّة.

 

4- يدعو المجمع الأساقفة إلى استكمال تطبيق ما نصّت عليه مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة والشرع الخاصّ في ما يخصّ الهيكليّة المؤسّساتيّة للأبرشيّة.

 

4-أ: إشراك الكهنة والرهبان والعلمانييّن وتفعيل دورهم في الأبرشية.

4-ب: تأهيل الكوادر العاملة في دوائر الأبرشيّة على كلّ المستويات وتدريبهم على اكتساب المهارات وعلى العمل المشترك.

4-ج: ضرورة أن يأخذ كلّ أسقف معطيات أبرشيته وقدراتها وحاجاتها بعين الإعتبار، فتأتي التدابير الإداريّة متناسبة والقدرات والحاجات .

5- الأبرشيّة/مأسسة الإدارة الماليّة.

 

5- بما أنّ المسؤوليّات والحاجات في الرعايا باتت في عصرنا كبيرة ومتشعبة، فإنّ الواقع يفرض علينا متابعة مأسسة الإدارة الماليّة على مستوى الأبرشيّة.

 

5-أ: توعية على المسؤوليّة الكنسيّة بأبعادها كافة من خلال إجتماعات للجان الوقف على مستوى القطاعات في الأبرشيّة وعلى مستوى الأبرشيّة بشكلٍ عامّ.

5-ب: تطوير الدائرة الماليّة في المطرانيّة للتدقيق العلميّ في حسابات الأوقاف، وإعتماد نظام محاسبيّ موحّد يؤمن شفافيّة الحسابات، وتطبيق القوانين والأسس العلميّة في عملية تلزيم المشاريع والأعمال.

6- الرعيّة/لجنة الوقف.

 

6- يؤكّد المجمع أنّ الرعيّة هي مشروع بناء متواصل، بشرًا وحجرًا،  وهذا ما يستدعي إدارة للوقف تكون منتجة وتخطيطًا زمنيًّا يتخطّى إطار اللجنة الواحدة زمنيًّا، وتحديد مشاريع مبرمجة قد يمتد انجازها  علىسنوات وعلى مراحل، وذلك بإدارة عقلانيّة شفّافة وكفوءة.

6-أ: تذكير لجان الوقف بالأهداف التي اقتنيت الخيرات الكنسيّة من أجلها: العبادة الإلهيّة، أعمال الرسالة، أعمال المحبّة، تأمين عيش كريم للرعاة.

6-ب: إشراك الشبيبة والنساء في لجان الأوقاف، وعدم حصر العضويّة في اللجنة بأبناء البلدة الأصلييّن.

 

6-ج: تكون لجنة الوقف فريقًا متجانسًا ينسّق مع الكاهن، ولاسيّما في إطار المجلس الرعويّ.

7- الرعيّة/المجلس الرعويّ.

 

7- تعزيزًا لروح الشركة، ونظرًا إلى تشعّب الحاجات الرعويّة، يوصي المجمع بإنشاء المجلس الرعويّ وبتفعيله وفقًا لأنظمة الشرع الخاص.

 

7-أ: إقامة دورات تنشئة للكهنة وللعلمانييّن تتناول العمل المشترك في ضوء الإنتماء الكنسيّ.

7-ب: يبلور الكاهن مع مجلسه الرعويّ مشروعًا رعويًّا يؤمّن الاستمراريّة في العمل الرعويّ، ويكون مبنيًّا على ثوابت الكنيسة وواقع الرعيّة، يشترك فيه جميع العاملين في الشأن الرعويّ على المستويات كافّة، بدءًا بالعمل الروحيّ ومرورًا بالعمل الرساليّ والرسوليّ ووصولاً إلى العمل الإجتماعيّ.

7-ج: يسهر المجلس الرعويّ على إحتضان الحركات الرسوليّة ضمن مخطّط منهجيّ يأخذ بعين الإعتبار مواهب المنظمات وطرائق التبشير الجديدة، وتوجيهات الأبرشيّة والكنيسة، والهموم الاجتماعيّة والوطنيّة.

7-د: إيجاد أساليب تواصل جديدة مع أبناء الرعيّة المقيمين والمنتشرين، والسعي لتلبية الحاجات الماديّة المتزايدة إلى إبتكار وسائل جديدة للدعم الماليّ (مثلاً Denier du culte).

8- الرعيّة.

8- يوصي المجمع الكهنة بتنظيم دقيق للرعيّة من أجل خدمة أفضل لأبنائها.

8- إنشاء أمانة سرّ في الرعايا، وخاصّة الكبرى منها، قوامها متطوعون علمانيّون أو موظفون ويقع ضمن مهامها توثيق أحوال الرعيّة، وتنظيم سجلاتها، وإحصاء سكّانها وسائر المجالات المفيدة فيها إحصاء دقيقًا. (برنامج إلكترونيّ موحّد لتوثيق أحوال الرعايا).

 

 


1. راجع: خادم الرعيّة ص 324 – 341؛ الأساقفة 8، ص 341 – 415؛ الكنائس وأرزاقها ص 443 – 450 في المجمع اللبنانيّ، طبع المطران يوسف نجم، جونية، مطبعة الأرز، 1900.

2. راجع: القرارات المجمعيّة في مهمّة الأساقفة الراعويّة في الكنيسة وفي خدمة الكهنة الراعويّة وحياتهم والقرار في الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة الذي يحدّد مهامّ بطاركة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة في المجمع الفاتيكانيّ الثاني، حريصا، منشورات المكتبة البولسيّة، 1992.

3. راجع: تجديد بنى الشراكة في الرعايا (65 ـ 68) والأبرشيّات (69) والبطريركيّات (70) في الإرشاد الرسولي، رجاء جديد للبنان، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جلّ الديب، 1997.

4. Ortiz de Ubrina, Nicée et Constantinople, éd. De l’Orante Paris, 1963, p. 201, n°6

5. راجع: أعمال الرسل 15.

6. وذلك بحسب ما أقرّه مجمع نيقية مكرّسًا التقليد القديم في القانون الرابع: “إنّ رسامة أسقف تهمّ كلّ أساقفة المنطقة. فليجتمع فيها على الأقلّ ثلاثة أساقفة”.

7. بحسب القانون الخامس، الأوّل يكون قبل الصوم والثاني قبل الخريف.

8. راجع: الوحدة والمجمعيّة في الكنيسة للمطران كيرلس سليم بسترس في المجلّة الكهنوتيّة، السنة الحادية والثلاثون، 2/2001.

9. يقول المجمع الفاتيكانيّ الثاني في هذا الصدد: “إن المهمّة الأسقفيّة هي التي نالها الأساقفة بالرسامة الأسقفيّة يصبحون بها شركاء في همّ جميع الكنائس، ويمارسونها تعليمًا وإدارة في كنيسة الله الجامعة، متّحدين جميعًا في هيئة، وفي شركة الحبر الأعظم وبإمرته”. مهمّة الأساقفة الراعويّة في الكنيسة، عدد 3 في أعمال ووثائق المجمع الفاتيكانيّ الثاني، منشورات المكتبة البولسيّة، حريصا، 1992، ص 320. “وكلّ أسقف يشترك مع سائر الأساقفة في المسؤوليّة عن الكنيسة الجمعاء وذلك بحكم التدبير الإلهيّ وواجب المسؤوليّة الرسوليّة” المرجع ذاته، ص 322.

10. المجمع اللبنانيّ، طبعة المطران بولس نجيم، مطبعة الأرز، جونية، 1900، عدد 4، ص 245؛ والقانون 19، ص 374؛ ويستعمل هنا المجمع اللبنانيّ كلمة “أبرشيّة” (éparchie).

11. المرجع ذاته، راجع في الأساقفة، ص 341 – 415؛ ثم في البطريرك ص 422 – 443.

12. مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق 56.

13. ان صلاحيّة إقامة كنائس بطريركيّة وإعادتها وتغييرها وإلغائها محفوظة للسلطة الكنسيّة العليا بحسب القانون 57 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة في بنده الأول. ويعطي البند الثاني من القانون المذكور للسلطة الكنسيّة العليا وحدها حقّ تغيير اللّقب المعترف به شرعيًّا أو الممنوح لكلّ كنيسة بطريركيّة.

14. مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، القوانين 55-150.

15. راجع: أوّلاً في الكنيسة، رقم 23، ثم المرجع السابق، ص 63 في المجمع الفاتيكانيّ الثاني. الى المجامع المسكونيّة الأولى المذكورة سابقًا، نضيف هنا المجامع اللاتينية التي أكّدت بدورها على أهميّة البطريركيّات ومنها مجمع اللاتران الرابع سنة 1215 والدستور الخامس في كرامة البطاركة، إضافة الى مجمع فرّاري – فلورنسا سنة 1439، الذي سعى الى المحافظة على جميع امتيازات وحقوق البطاركة الشرقيّين. ولقد تحدّث المجمع الفاتيكانيّ الثاني عن النظام البطريركيّ في قرارين. (في الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة وفي الحركة المسكونيّة).

16. راجع الإرشاد الرسوليّ رجاء جديد للبنان، عدد 64، ص 105.

17. راجع: المسيح رجاؤنا: بروحه نتجدّد، ومعًا للمحبّة نشهد، نداء الجمعيّة الخاصة لمجمع الأساقفة (السينودس) من أجل لبنان، التي عُقدت في الفاتيكان من 26/11 إلى 14/12/1995، جلّ الديب، 1996، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، المركز الكاثوليكيّ للإعلام، طبعة ثانية، جلّ الديب، 1996، ص 9.

18. راجع البطريرك نصر الله بطرس صفير، الرسالة في مناسبة الصوم الكبير 1998، مطبعة الكريم الحديثة، جونية، 1998، ص 22، عدد (1).

19. المرجع ذاته، ص 22، عدد (2).

20. الشرطونيّة المارونيّة.

21. رجاء جديد للبنان، عدد 69، مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق. 127، بند 2.

22. البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير،كلمة في افتتاح ندوة الكنيسة المارونيّة في انتشارها العالميّ، بكركي، 4 آذار 2004، ص 3.

23. المرجع ذاته.

24. المرجع ذاته، ص 504.

25. المجمع اللبنانيّ، طبع المطران يوسف نجم، جونيه، مطبعة الأرز، 1900، في الأساقفة 8، ص 341 – 415.

26. المرجع ذاته.

27. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قرار في مهمّة الأساقفة الرعوية في الكنيسة، عدد 11، منشورات المكتبة البولسيّة، حريصا، 1992.

28. مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق 1780.

29. راجع: مداخلة المطران بشاره الراعي في ندوة الكنيسة المارونيّة في انتشارها العالميّ، بكركي، 4 آذار 2004.

30. مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق 1086-1090.

31. راجع: نظام المحكمة الإبتدائيّة الموحّدة المارونيّة في لبنان، سنة 1986، المادة 4.

32. انظر قرار في خدمة الكهنة وحياتهم، عدد 7 في المجمع الفاتيكانيّ الثاني، حريصا، منشورات المكتبة البولسيّة، 1992.

33. الشرع الخاص بالكنيسة المارونيّة، المادة 9.

34. راجع الأعمال التي تقتضي رضى المستشارين في الشرع الخاص، المادة 10.

35. راجع الأعمال التي تقتضي مشورة المستشارين في الشرع الخاص، المادة 10.

36. الشرع الخاص بالكنيسة المارونيّة، المواد 12-14.

37. الشرع الخاص بالكنيسة المارونيّة، ص 84-92.

38. الإرشاد الرسوليّ، رجاء جديد للبنان، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جلّ الديب، 1997، عدد 69.

39. كلمة غبطة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في ندوة الكنيسة المارونيّة في انتشارها العالمي، بكركي، 4 آذار 2004، ص 3.

40. رعاة القطيع، عدد 74 في الإرشاد الرسوليّ.

41. المرجع ذاته، عدد 27.

42. المرجع ذاته، عدد 44.

43. الإرشاد الرسوليّ، رجاء جديد للبنان، منشورات اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جلّ الديب، 1997، عدد 66.

44. لن نتوسّع في قراءة واقع حال الرعيّة واستنباط سبل التجديد، اذ إنّ النص رقم 13 يستفيض في معالجة هذه النقطة تحت عنوان “الرعيّة والعمل الرعويّ”.

45. المرجع ذاته، رجاء جديد للبنان، عدد 104-105.