ما هي صلاة الأبانا؟

أبانا الّذي في السّماوات، ليتقدّس اسمك، ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السّماء كذلك على الأرض. أعطنا خبزنا كفاف يومنا، واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كما نحن نغفر  لِمَن أخطأ إلينا، ولا تُدخلنا في التجربة، لكن نجّنا من الشّرّير.

ما هو أصل ال”أبانا”؟

علّمنا يسوع هذه الصّلاة المسيحيّة الّتي لا بديل منها، ال”أبانا“، عندما رآه، ذاتَ يوم، واحدٌ من التّلاميذ يُصلّي، فقال له: “علّمنا أن نصلّي” (لوقا 1:11). والتّقليد الكنسيّالّليترجيّ استعمل دائمًا نصّ متّى (9:6-13).

ما هو محلّ ال”أبانا” في الكتاب المُقدّس؟

ال”أبانا” هي خلاصة الإنجيل كلِّه (ترتليانوس)، “هي أكمل الصّلوات” (القدّيس توما الأكوينيّ). لقد وُضِعَت في وسط العِظة على الجبل (متّى 7:5) واستعادت، في شكل صلاة، مضمون الإنجيل الأساسيّ.

لماذا دُعيت “صلاة الربّ” أو “الصّلاة الرّبيّة”؟

دُعيت ال”أبانا” صلاة ربيّة، أي “صلاة الربّ“، لأنّ يسوع الربّ نفسه علّمنا إيّاها.

ما هو محلّ ال”أبانا” في صلاة الكنيسة؟

بما أنّ ال”أبانا” هي صلاة الكنيسة بامتياز، فهي “موضوعة” في المعموديّة والتّثبيت لتُبيّن الميلاد الجديد لحياة أبناء الله الإلهيّة. والإفخارستيّا تُبدي معناها الكامل، إذ إنّ طلباتها الّتي تستند إلى سرّ الخلاص الّذي تحقّق، ستُستجاب تمامًا عند مجيء الربّ. ال”أبانا” جزء يلازم ليترجيّا ساعات الفرض.

لماذا نستطيع أن نتجرّأ على الاقتراب بثقة من الآب؟

لأنّ يسوع فادينا يُدخلنا أمام وجه الآب، وروحه يجعلنا أبناء. فنستطيع هكذا أن نُصلّي ال”أبانا” بثقة بسيطة وبنويّة، واطمئنانٍ فَرِح، وجرأة مُتواضعة، ويقين بأنّنا محبوبون يُستجاب لنا.

كيف يُمكن أن ندعو الله “أبّا”؟

نستطيع أن ندعو الله “أبّا” لأنّ ابن الله الّذي صار إنسانًا كشف عن ذلك، ولأنّ روحَه يجعلُنا نعرفه. واستدعاء الآب يُدخلنا سرَّه، في تعجُّب يتجدّد على الدوام، ويُثير فينا الرّغبة في أن نسلُكَ سلوكًا بنويًّا. وبصلاة الربّ إذن، نعي أنّنا نحن أنفُسَنا أبناءٌ للآب في الابن.

لماذا نقول أبا- نا؟

ال”نا” تُعبّر عن علاقة جديدة تمامًا مع الله. عندما نُصلّي إلى الآب، نعبده ونُمَجِّده مع الابن والرّوح القدس. في المسيح نحن “شعبه” وهو “إلهنا”، منذ الآن وإلى الأبد. إنّنا نقول: “أبانا” لأنّ كنيسة المسيح هي شركة إخوة كثيرين لهم “قلب واحد ونفس واحدة” (أعمال الرّسل 32:4).

ما هي روحانيّة الشّركة والرّسالة الّتي بها نُصلّي “أبا – نا”؟

بما أنّ صلاة “أبا – نا” هي خيرٌ مُشترك بين المعمَّدين، فهؤلاء يشعرون بدعوة مُلحّة إلى المُشاركة في صلاة يسوع لأجل وحدة تلاميذه. أن نُصلّي ال”أبا – نا” يعني أنّنا نُصلّي مع ولأجل جميع النّاس حتّى يعرفوا الإله الحقيقيّ وحده، ويُجمَعوا في الوحدة.

ماذا يعني التّعبير “الّذي في السّماوات”؟

لا يعني هذا التّعبير الكتابيّ مكانًا وإنّما نمط وجود: فالله هو “في ما وراء”، وما هو “أسمى” من كلّ شيء. إنّه يعني جلال الله وقداسته، وكذلك حضوره في قلب الأبرار. السّماء، أو منزل الآب، هو الوطن الحقيقيّ الّذي نسعى إليه في الرّجاء، بينما نحن ما نزال على الأرض. إنّنا نحيا فيها “مُستترين في الله مع المسيح” (كولوسّي 3:3).

كيف تتألّف صلاة الربّ؟

إنّها تحوي سبع طلبات إلى الله الآب. الثّلاث الأولى، وهي الأكثر تعلُّقًا بالله، تُلفتنا إليه لأجل مجده: فمن خصائص الحبّ التّفكير أوّلًا بِمَن يُحبّنا، وهي تُشير إلى ما علينا أن نطلُبَه خصوصًا: تقديس الاسم المقدّس، مجيء الملكوت، وإتمام مشيئته.والأربع الأخيرة من الطّلبات تُقَدِّم لأبي المراحم شقاواتُنا وما نترقّبه منه. وتلتمس الغذاء والمغفرة، والعون في التّجارب، والنّجاة من الشّرّير.

ماذا يعني ليتقدّس اسمك؟

تقديس اسم الله هو أوّلًا تسبيح يعترف بأنّ الله قدّوس. فالله قد كشف عن اسمه لموسى وأراد أن يكون “شعبه” مكرّسًا له بمثابة أمّة مقدّسة يسكن عندها.

كيف يُقَدَّس اسم الربّ فينا وفي العالم؟

تقديس اسم الربّ الّذي يدعونا إلى “القداسة” (ثيموثاوس الأولى 7:4) هو الرّغبة في أنّ التّكريس في المعموديّة يُحيي حياتنا كلّها. وهو أيضًا الطلب أن يكون اسم الربّ معروفًا، يُباركه كلّ إنسان، وذلك بحياتنا وصلاتنا.

ماذا تطلب الكنيسة عندما تُصلّي قائلة: “ليأتِ ملكوتك”؟

تلتمس الكنيسة مجيء ملكوت الله بعودة المسيح في المجد. ولكنّ الكنيسة تُصَلّي أيضًل لكي يكبُر ملكوت الله منذ الآن بتقديس البشر في الرّوح، وبفضل جهودهم في خدمة العدالة والسّلام، بحسب التطويبات. هذه الطّلبة هي صوت الرّوح والعروس: “تعال أيّها الربّ يسوع” (رؤيا يوحنّا 20:22).

لماذا نطلب: “لِتَكُن مشيئتكَ كما في السّماء كذلك على الأرض”؟

مشيئة أبينا هي “أنّ جميع النّاس يخلصون” (ثيموثاوس الأولى 3:2). لهذا السّبب جاء يسوع لكي يُتَمِّمَ مشيئة الآب الخلاصيّة بكاملها. نصلّي إلى الله الآب أن يضُمَّ إرادَتَنا إلى إرادة ابنه على مثال العذراء الفائقة القداسة والقدّيسين. ونطلب أن يتحقّق تمامًا على الأرض، كما هي الحال في السّماء، قصد محبّته الّلطيف. فبالصّلاة نستطيع أن “نُميّز مشيئة الله” (روما 2:12). ونحصل على “الثّبات لنعمل بها” (عبرانيّين 36:10).

ما معنى طلب “خبزنا كفاف يومنا أعطنا اليوم”؟

عندما نطلب إلى الله، بتسليم الأبناء الواثق، غذاء كلّ يوم الضروريّ لحياة الجميع، نعترف بأنّ الله أبانا صالح أبعد من أيّ صلاح. ونطلب أيضًا النّعمة لنعرف كيف نعمل لكي تمكّن العدالةُ والتّقاسم من يملكون بوفرة أن يساعدوا على سدّ احتياجات الآخرين.

ما هو معنى هذا الطّلب الخاصّ بالمسيحيّين؟

بما أنّ “الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله” (متّى 4:4)، فهذا الطّلب يتناول أيضًا الجوع إلى كلام الله وإلى جسد المسيح المقبول في الإفخارستيّا، وكذلك الجوع إلى الرّوح القدس. ونطلب ذلك بثقة مطلقة ليومنا هذا، يوم الله، ويُعطى لنا ذلك خصوصًا في الإفخارستيّا، وهي المُقدّمة لتذوّق وليمة الملكوت الآتي.

لماذا نقول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا لأمَن أساء إلينا”؟

عندما نلتمس من الله أبينا أن يغفر لنا، نعترف أنّنا خطأة أمامه. ولكنّنا نعترف، في الوقت عينه، برحمته، لأنّنا، بابنه وبالأسرار “ننال الفداء ومغفرة خطايانا” (كولوسّي 14:1). إلّا أنّ طلبنا لن يُستجاب إلّا بشرط أن نكون من جهتنا قد غفرنا أوّلًا.

كيف تكون المغفرة ممكنة؟

لن تدخل الرّحمة قلوبنا إلّا إذا عرفنا نحن أيضًا أن نغفر لأعدائنا. من الآن فصاعدًا، وإن بدا للإنسان أنّ تلبية هذا المطلب مُستحيلة، فالقلب الّذي يُقدّم ذاتَه للرّوح القدس، يستطيع، على مثال يسوع، أن يُحبّ حتّى أقصى حدود المحبّة، ,أن يقلب الجرح إلى رأفة، والإهانة إلى شفاعة. تشارك المغفرةُ في رحمة الله وهي واحدة من قسم الصّلاة.

ما معنى: “لا تدخلنا في تجربة”؟

نطلب إلى الله أبينا ألّا يدعنا وحدنا تحت سلطان التّجربة. ونطلب إلى الرّوح أن يجعلنا نعرف أن نُميّز بين المحنة المؤدّية إلى نموّنا في الخير، والتّجربة الّتي توصل إلى الخطيئة والموت، من جهة، ومن جهة أخرى، بين أن نكون مُجَرّبين وأن نرضى بالتّجربة. هذا الطّلب يُوحّدنا بيسوع الّذي انتصر على التّجربة بالصّلاة. إنّها تتوسّل نعمة اليقظة والثّبات إلى النّهاية.

لماذا ننتهي طالبين “نجّنا من الشّرير”؟

يدلّ الشّرّ على شخص الشّيطان، الشّرّير، المقاوم الله، والّذي “يُضلّ المسكونة كلّها” (رؤيا يوحنّا 9:12). لقد أحرز المسيح الانتصار على إبليس. ولكنّنا نُصلّي لكي تتحرّر الأسرة البشريّة من الشّيطان وأعماله. ونطلب أيضًا عطيّة السّلام النّفسيّة، ونعمة الانتظار الثّابت لمجيء المسيح الّذي يُحرّرنا نهائيًّا من الشّرير.

ما معنى “آمين” في النّهاية؟

“وعندما تكتمل الصّلاة، تقول: “آمين” مُصَدّقًا بهذه الآمين الّتي تعني: “ليكن الأمر كذلك”، ما تحويه الصّلاة الّتي علّمنا إيّاها الربّ” (القدّيس كيرلّس الأورشليميّ).